قطر
ميسا سليمانمستشار قانوني،حل المنازعات
من أساسيات تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية، أن تسعى الحكومات بشكل متجدّد للحصول على مصادر تمويل مستدامة، توفيراً للرعاية الصحية والتعليم والبنى التحتية والخدمات العامة الأخرى. حيث تلجأ الحكومات إلى زيادة إيراداتها من خلال عدة مسارات، أحدها، تحصيل الضرائب كمورد لتمويل تكاليف الخدمات العامة. وتلك الضرائب ليست فقط إيراداً للأموال، بل تُعتبر جزءًا أساسيًا أيضاً في العقد الاجتماعي بين المكلّف الضريبي والنظام الاقتصادي.
بيدَ أن التحدي يكمن في أمورٍ ثلاث: أولاً، اختيار مستوى معدّل الضرائب التي تُفرض بعناية؛ وثانياً، قاعدة حساب الضرائب التي يتم الدفع وفقاً لها كي تكون بمعدل معقول يشجّع على تطوير القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات؛ والأهم، تصميم نظام ضرائبي يشجّع على الامتثال للضرائب ولا يولّد رغبة لدى المكلفين في التهرّب الضريبي أو العدول عن قرار الاستثمار المحلّي.
وعلى هذه الخطى، دأبت دولة قطر في تطوير نظامها الضرائبي، سواء من الناحية القانونية أو من الناحية العملية التي تتعلق بالإجراءات المتبعة في نظام الجباية.
الأولى بإصدار القانون رقم (21) لعام (2009) بإصدار قانون ضريبة الدخل ولائحته التنفيذية[1]؛
والثانية بإصدار القانون رقم (24) لسنة (2018) بإصدار قانون جديد لضريبة الدخل ولائحته التنفيذية[2].
أما في المنحى العملي، فقد طوّرت الحكومة، من خلال الجهاز المعني بذلك وهي "الهيئة العامة للضرائب"، آلية جباية وتحصيل الضرائب عبر منصة الكترونية تسمى "Dareeba"[3]، يستطيع المكلّف من خلالها، تقديم جميع إقراراته الضريبية، كما يتلقّى المكلفون اشعارات الهيئة من خلال نفس المنصة، وذلك بهدف الحد من المعاملات الورقية وتسهيلاً لها واختصاراً للوقت والجهد، خاصةً في ظل حاجة المكلّفين من الشركات في قطر لتقديم مئات المستندات قبيل دفع الضريبة المستحقة سنوياً تلازماً مع تقديم الإقرار الضريبي السنوي.
وقد برزت في الفترة الأخيرة نقاشات جمّة حول مسألة قانونية جوهرية ألقت بظلالها على عشرات، بل مئات الشركات المكلفة ضريبياً في دولة قطر. إذ لوحظ توجِّه الهيئة العامة للضرائب في السنوات القليلة الأخيرة إلى إصدار ما يعرف ب "الربط الضريبي" عن سنوات مالية مضت، بعد مرور عدة سنوات من تقديم تلك الشركات لإقراراتها الضريبية المفصّلة، ودفعها للمبالغ الضريبية المتوجبة وفقاً للإقرارات المذكورة.
إن حق الهيئة في ربط الضريبة والجزاءات المالية المتعلّقة بها عن سنة ضريبية معينة، ينقضي بانقضاء خمس سنوات تالية للسنة التي قدم فيها المكلف الإقرار
ممّا لا خلاف عليه، هو حق الهيئة القانوني بإعادة النظر بربط الضريبة، إذ أتاح لها قانون ضريبة الدخل (بنسختيه الأولى والثانية) إعادة النظر في جميع عناصر الدخل الخاضع للضريبة، بالإضافة إلى حق الهيئة في مطالبة المكلّف بتقديم بيانات أو معلومات أو مستندات إضافية على صلة بالإقرار السنوي[4]. وبناءً عليه، للهيئة أن تعدل الربط من واقع البيانات الواردة بالإقرار الضريبي والمستندات المؤيدة له، بما يتفق مع أحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية.
وينتج عن ذلك في حالات عدّة، تكليف الشركة التي سبق وصرّحت عن دخلها، (وسبق وأن سددت الضريبة المتوجبة عن السنة المالية المنقضية)، بدفع ضرائب إضافية نتيجة تعديل الربط الضريبي.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل حق الهيئة في إعادة النظر، وتعديل الربط الضريبي، هو حق لا متناهي ولا يخضع لأية مهل زمنية، أم أن القانون منح الهيئة هذا الحق إنما لمدة زمنية معينة، تخضع للتقادم بمقتضى القانون؟ وكيفية احتساب المدة الزمنية؟
بمقتضى المادة 57 من القانون رقم (21) لعام (2009) والمادة 37 من القانون رقم (24) لعام (2018)، فإن حق الهيئة في ربط الضريبة والجزاءات المالية المتعلّقة بها عن سنة ضريبية معينة، ينقضي بانقضاء خمس سنوات تالية للسنة التي قدم فيها المكلف الإقرار. إلّا أنه، وفي الآونة الأخيرة، طرأ تحوّل قانوني مهم صادر عن محكمة التمييز القطرية بشأن تفسير هاتين المادتين. فبعد أن استقرت الهيئة ومعها لجنة التظلم الضريبي على تفسير المادتين المذكورتين، أعادت محكمة التمييز النظر في هذا التفسير وفي قراءة مسألة التقادم الخمسي الضريبي.
ومن أجل البحث في تفسير مسألة التقادم الخمسي لربط الضريبة، لا بد من الإشارة إلا أن الإقرار الضريبي يجب أن يتم خلال الأربعة شهور التي تلي انتهاء السنة المالية. فمثلاً، السنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2016، تُرتّب على الشركة المكلّفة تقديم إقرارها الضريبي عن السنة المنقضية خلال أربعة (4) أشهر أي بحد أقصى بتاريخ 30 ابريل 2017.
لسنواتٍ خلت، استقرّت الهيئة ولجنة التظلم الضريبي على تفسير النص المذكور سابقًا على قاعدة أنّ الحد الزمني المحدّد سقفه بخمس سنوات، يبدأ من بداية السنة التي تلي تقديم الإقرارات الضريبية. بمعنىً آخر، إذا تقدمت شركة مكلّفة بإقرارها الضريبي عن السنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2016، في 30 أبريل 2017، استقر التعامل سابقاً أن يبدأ حساب التقادم الخمسي من يوم 1 يناير 2018، وينتهي بعد خمس سنوات، أي في 31 ديسمبر 2022.
وعليه، وفقًا لهذا التفسير السابق، فإن أي ربط للضريبة تصدره الهيئة العامة الضرائب عن سنة 2016 خلال هذه الفترة وقبل تاريخ 31 ديسمبر 2022، هو ربط قانوني وساري المفاعيل ولا يخضع للتقادم الخمسي.
إلا أنه، وفي الآونة الأخيرة، قادت محكمة التمييز القطرية، وهي المحكمة العليا والمرجع الرئيسي في استقرار الأحكام وتفسير مواد القانون، تحوّلاً ملحوظاً في تفسير المادة المذكورة بخصوص آلية حساب بدء التقادم الخمسي. حيث قضت محكمة التمييز بأن بداية فترة التقادم الخمسي يحتسب من اليوم التالي لانتهاء فترة تقديم الإقرار الضريبي.
ولتوضيح هذا الأمر، نورد المثال التالي: إذا تم تقديم الإقرار الضريبي في 30 أبريل 2017، فإن فترة التقادم الخمسي يبدأ في 1 مايو 2017، وبالتالي تنتهي الخمس سنوات في 30 أبريل 2022. وبناءً على هذا التفسير، فإن أي ربط للضريبة تصدره الهيئة العامة للضرائب ما بعد تاريخ 30 أبريل 2022 ويتعلق بسنة 2016 المالية، يعتبر ساقطاً بالتقادم الخمسي، ويقتضي الحكم بسقوطه إعمالاً بأحكام قانون ضريبة الدخل.
الحكم الأول رقم 1034/2023، الصادر في 2 أكتوبر 2023، والحكم الثاني رقم 175/2024، الصادر في 29 أبريل 2024. حيث قررت محكمة التمييز في كِلا الحكمين سقوط حق الهيئة العامة للضرائب للتقادم الخمسي، وفقاً لتفسير بدء التقادم الخمسي من اليوم التالي لتقديم الشركة للإقرار الضريبي، وليس من بداية السنة التالية كما جرت العادة سابقاً.
والجدير بالذكر أن محكمة الاستئناف قد حذت مؤخراً حذو محكمة التمييز بشأن تطبيق قاعدة التقادم الخمسي، وأصدرت عدة أحكام حديثة تتبنّى التفسير الذي استقرت عليه مؤخراً محكمة التمييز.
إلا أن الهيئة العامة للضرائب ولجنة التظلم الضريبي مازالت حتى الآن متمسكة بالتفسير القديم لآلية احتساب التقادم الخمسي، ومازالت تصدر قراراتها على هذا الأساس، لكن جميع قرارات الهيئة واللجنة التي مازالت تصدر وفقاً للتفسير القديم يتم إلغاؤها أمام محكمة الاستئناف ومحكمة التمييز. وعليه، نأمل أن تنتهج الهيئة واللجنة نفس التفسير التي تبنته محكمة التمييز مؤخراً، وذلك توفيراً للوقت والجهد والمال على جميع الأطراف.
[1] صدرت اللائحة التنفيذية بقرار وزير الاقتصاد والمالية رقم 10 لسنة 2011
[2] صدرت اللائحة التنفيذية بقرار مجلس الوزراء رقم 39 لعام 2019
[3] تعميم رقم (5) صادر عن الهيئة العامة للضرائب في قطر بدأ العمل به من تاريخ 1-11-2020
[4] المادة 22 من القانون رقم (21) لعام 2009 والمادة (14) من القانون رقم (24) لعام (2018)
لمزيد من المعلومات،يرجى الاتصال ميسا سليمان
تم النشر في أيلول 2024