الكويت
عمر القحطاني شريك،رئيس قسم التقاضي - الكويت
حسن احمدمستشار قانوني أول،حل النزاعات
ولأهمية هذا البحث رأينا أن نستهله بما استقر عليه القضاء من أن الحكم و قد رفع لواء التأييد للتحريات و أقوال مجريها وكفايتها وما أسفرت عنه على نحو ما اورده بمدوناته واتخذه عماداً لقضائه بإدانة الطاعن بناء على تلك التحريات التي اعتبرها دليلا كاملا وعول عليها في قضائه بالإدانة كسند وحيد وأوحد فيما نسبه للطاعن من جرائم مع عدم موافقة ذلك لصحيح القانون حال كون التحريات لا تعدوا كونها رأيا لمجريها استمدها من مصادر غير محددة بما لا يمكن للمحكمة من بسط رقابتها عليها وتقديرها والتعويل عليها كدليل في الدعوى يمكن أن يسند به وحده اتهام , وقد عرفت محكمة النقض التحريات بأنها عملية تجميع للقرائن والأمارات تفيد في كشف حقيقة جريمة معينة و نسبتها إلى شخص معين .
وقد جرت أحكامها بأن التحريات وحدها لا تصلح دليلا أساسيا على ثبوت التهمة ولا يجوز إقامة الأحكام على مجرد رأى محرر محضر التحريات أو الضبط إذ أن الاحكام إنما تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضى بالإدانة أو البراءة عن عقيدة تحصلها المحكمة بنفسها لا يشاركها فيها غيرها ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدتها بصحة التحريات التي أقام عليها قضاءها أو عدم صحتها حكما لسواه والتحريات وحدها لا تصلح لأن تكون قرينه أو دليلا أساسيا على ثبوت التهمة لأن ما تورده التحريات دون بيان مصدره لا يعدوا أن يكون مجرد رأى لقائلها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدره ويتحقق القاضي منه و يبسط رقابته عليه ويقدر قيمته من حيث صحته وفساده ومن هنا لا تعد التحريات دليلاً قولياً معتبراً لعدم بيان المصدر الذى استقى منه تحرياته وحجبه بالمخالفة لقوله تعالى " ولا تكتموا الشهادة وانتم تعلمون " ذلك أن الأحكام يجب أن تبنى على الادلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادرا في ذلك عن عقيدة يحصلها هو بما يجريه من تحقيق مستقل في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكما لسواه وأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما انها كانت مطروحة على بساط البحث إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينه معينة أو دليلا على ثبوت التهمة ولما كان الثابت أن ضابط المباحث لم يبين للمحكمة مصدر تحرياته لمعرفتها وما إذا كان من شأنها أن تؤدى إلى صحة ما انتهى إليه فإنها بهذه المثابة لا تعدو أن تكون مجرد رأى لصاحبها تخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد كنهها ويتحقق القاضي منها بنفسه حتى يستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته من حيث صحته أو فساده وانتاجيته فى الدعوى أو عدم انتاجه وإذا كانت المحكمة قد جعلت أساس اقتناعها رأى محرر محضر التحريات فإن حكمها يكون قد بنى على ما جعله الشاهد من تحريه لأعلى عقيدة استقلت المحكمة بتحصيلها بنفسها فإن ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يتعين معه نقضه والإحالة بغير حاجة الى بحث باقي ما يثيره الطاعن .
ولا ينال من هذا النظر وصحته ما تساند اليه الحكم المطعون فيه وما أورد بمدوناته من تحصيل لشهادة مجرى التحريات متخذا منها دليلا كاملا وشهادة معتد بها في قضائه بالإدانة وذلك لكون شهادة مجرى التحريات التي اتخذ الحكم المطعون فيه منها أساس قضاء بإدانة الطاعن الوحيد لا ينطبق عليها وصف الشهادة كما هي معرفة قانونا إذ أن الشاهد المعول على أقواله كدليل هو من أدرك الجريمة بإحدى حواسه.
ومما لا شك فيه أن الدليل عموما والشهادة كفرع منه قد شغل شرائع السماء وشرائع الناس منذ عرفوا تطبيق القانون واختاروا لحل النزاع والمعضلات قضاء.. وإذا كان للدليل قيمة في ذاته على التعميم باعتباره قوام الاسناد، فإن للشهادة باعتبارها قوليا أهمية خاصة مردها أنها عرضة بأكثر من باقي الأدلة للتزييف والتدليس والكذب والافتراء مكتوبة كانت أو شفوية إما بالنقل أو السماع وعلى ذلك الاهتمام فقد تلاقت شرائع الأرض والسماء فيما تلاقت عليه على أن الأدلة الصحيحة هي وحدها قوام الاسناد أما غيرها من الاستدلالات أو قرائن لا تفيد الجزم واليقين ولا تجرى مجرى الدليل.
وقد اتفق الفقه والقضاء من ناحية أخرى على انه لإغناء للإسناد الجنائي عن دليل واحد على الأقل قد يعزز وقد لا يعزز بقرائن أو استدلالات ولكن توافر الدليل شرط لإقامة الاسناد ولا يقوم الاسناد بغير دليل.
وإذا كان أساس الأحكام الجنائية هو حرية قاضى الموضوع في تقدير الأدلة في الدعوى إلا أنه يرد على ذلك قيد منها أن يدلل القاضي أي بالدليل وليس بالاستدلال على صحة عقيدته في أسباب حكمة بالأدلة وليس بمحض قرائن أو الاستدلالات تؤدى إلى ما رتبه عليها لا يشوبها خطأ في الاستدلال أو تناقض.
لذلك جرت أحكام محكمة النقض والتمييز الكويتية من جواز الاستناد إلى الاستدلالات ولكن لتعزيز ما ساقته المحكمة من أدلة فقضت بأنه للمحكمة أن تكون في عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة (فقط) لما ساقته من الأدلة، باعتبار أن الأدلة في القضاء الجزائي متسانده يساند بعضها بعضاً ومنها مجتمعه تتكون عقيدة القاضي، وأن الدليل إذا داخله الاحتمال سقط به الاستدلال.
وغنى عن البيان أن هذه القاعدة ليست مصادرة على حق وسلطة القاضي في تكوين عقيدته من مصادرها التي يطمئن إليها فله كامل الحرية في قبول الدليل كدليل أو إطراحه وفى الاطمئنان الى القرينة كقرينه أو العزوف عنها، وفى قبول الاستدلال كاستدلال أو رفضة وأن قصارى الأمر – ولا مصادره فيه – أنه يشترط لا قامة الإسناد توافر دليل صحيح على الأقل تقتنع به المحكمة وعنه فارق بين الدليل، وبين الاستدلال، ويجب أن يكون الدليل صحيحا متولداً من إجراء صحيح وفى تعريف الشهادة تقول محكمة النقض انه : الشهادة قانونا تقوم على أخبار شفوي يدلى به الشاهد في مجلس القضاء بعد يمين يؤديها على الوجه الصحيح
وقد أستقر قضاء النقض من قديم على أنه: الشاهد الذي تبنى الأحكام الجنائية على أقواله هو من شاهد الواقعة المشهود بها عليها، أما أراء الناس وتصوراتهم وتأويلاتهم وتعبيراتهم للأحداث فظنون لا تبنى عليها الإدانة قط – والشهادة في الأصل هي تقرير الشخص لما يكون قد رأه أو سمعه بنفسه أو أدركه بحواسه على وجه العموم.
ونخلص من تلك المبادئ المستقرة التي درج عليها القضاء وتواتر عليها بمبادئه قديما وحديثا فإنه لامناص من القطع بأن التحريات التي يتساند إليها الحكم كسند وحيد وأوحد و شهادة مجرى التحريات لا يمكن قبولها قانونا أو الاستدلال بها أو عدها بمثابة دليل لكونها لا تخرج عن مجرد الترديد للتحريات التي لا ترقى لمرتبه الدليل ولا تعدو تلك الشهادة سوى رأى شخصي لا يرقى الى مرتبة الدليل المعول عليه قانونا استقاه مجرى التحريات من الغير لذلك فلا يجوز للأحكام الصادرة في المواد الجزائية أن تتوسد في قضائها على تحريات المباحث كدليل أوحد على صحة الاتهام، وإلا كان مآلها البطلان.
لمزيد من المعلومات،يرجى الاتصال حسن احمد
تم النشر في أيلول 2024
محمد أبوعقلمستشار قانوني،حل المنازعات
منذ فجر التاريخ وبمجرد اقتراف قابيل ما اقترف بحق أخيه بزغت الحاجة إلى تحقيق أمن الفرد اتقاءً لصنائع المعوجين، والتي انبثقت من غريزة الإنسان للبقاء والحاجة للسكينة التي تأتي على رأس هرم احتياجات البشر قاطبة. وإذ مضت السنون ولا يزال الفرد بالمجتمع المعاصر بحاجة لذات الضرورة، بيد أنها قد تطورت واتسعت لتشمل عدة مناحٍ فرضت على المجتمع فرضاً عاقبة التقدم. ففي الزمن الراهن نجد المشرع قد أضفى الحماية القانونية على مختلف الجرائم التي تمس الأنفس والأموال والعرض وغيرها، وها نحن بصدد حقبة تقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي نجد أن القانون الإجرائي التقليدي يقف عاجزاً أمام الفرضيات المعاصرة لجرائم تقنية المعلومات، والذي بدوره أفضى إلى تقييد جهات التحقيق وكذلك القضاء في مجابهة الجرائم آنفة البيان.
ورغم أن القانون رقم 63 لسنة 2015 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات قد تصدى موضوعياً لجرائم تقنية المعلومات ببيان أركانها وعقوباتها على حد سواء، إلا أنه قد جاء قاصراً فيما يتعلق بالجانب الإجرائي فيما يتعلق بالتحقيق والتنفيذ والتقاضي، مما يحيلنا بالضرورة للقواعد العامة لقانون الإجراءات الجزائية والذي يقف عاجزاً أمام عدة فرضيات. ولما كانت القواعد الإجرائية -وعلى ما درج العمل به- تعتبر أداةً نافعة في الخصومة وليست مجرد شكل يحجب العدالة عن تقصي الحقيقة، لما فيها من ضمانات للمتهم يكفل حقوقه الدستورية، فلا مناص من الوقوف على القواعد الإجرائية المنظمة لتلك الفئة من الجرائم المستحدثة، سيما أنها تفشت وامتدت لتمس حياة الأفراد يومياً.
ونتناول في هذا المقال على سبيل المثال القواعد الإجرائية الخاصة بالكشف عن الجرائم وكذا مرحلة التحقيق وجمع الأدلة ، على الوجه الآتي تفصيلاً:
وسوف نتعرض لموضوع التلبس فقط بهذا الشأن، فقد عرفته محكمة التمييز الكويتية في الطعن رقم 106 لسنة 1995 بأنه: "من المقرر أن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها بصرف النظر عن شخص مرتكبها ومتى قامت في جريمة صحت إجراءات القبض والتفتيش في حق كل من له اتصال بها سواء كان فاعلا أم شريكا وتقدير الدلائل على صلة المتهم بالجريمة المتلبس بها ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائي تحت رقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع". ومن الشائع أن رجال الضبط القضائي يكشفون حالة التلبس بمعرض أدائهم لوظيفتهم في حفظ الأمن والكشف عن الجرائم، وهو النادر الوقوع في حالة جرائم تقنية المعلومات إذ أنها تتم من وراء الشاشات وفي الغرف المغلقة المصونة بحرمة المنزل. والقول بالكشف عنها عن طريق الاطلاع على الممارسات التقنية للأفراد فيه إهداراً صارخاً للخصوصية المحمية دستورياً.
ولمجابهة تلك المعضلة يجب على المشرع أن يفرد مواداً لتنظيم التلبس في جرائم تقنية المعلومات، ومنها على سبيل المثال إنشاء إدارة من رجال الضبط القضائي تعمل على تقصي الدلائل تتيح ضبط الجريمة ذاتها دون التطرق لمرتكبها لحين الاستعانة بالخبير للتوصل لمرتكبها، والذي عندها يعد متلبساً طالما أن الجريمة ذاتها لا زالت قائمة.
من الجلي أن جرائم تقنية المعلومات يمكن إخفاء معالمها وأدلتها بذات وسيلة ارتكابها مما يضع جهة التحقيق أمام تحدٍ حقيقي لجمع والأدلة والتحفظ عليها لحين تقديمها أمام القضاء، فافتقار الجريمة للدليل لا يؤدي لشيء سوى فرار المجرم بجريمته دون عقاب. وعليه فلابد من إنشاء نيابة متخصصة تضمن وجود تعاون بين عضو النيابة وعدد من خبراء تقنية المعلومات تكون مهمتهم الاضطلاع بجمع الأدلة والتحفظ عليها خشية إخفائها أو ضياعها.
وختاماً لابد من لفت الأنظار لقصور الجانب الإجرائي فيما يتعلق بجرائم تقنية المعلومات مما يوقعنا بين مطرقة إهدار الحقو الدستورية للمتهم وسندان العجز عن معاقبة مقترفي تلك الفئة من الجرائم. ولهذا نوصي -وبحق- المشرع للتحرك نحو إصدار قانوناً إجرائياً لمواجهة درائم تقنية المعلومات تحديداً وكذلك محاكماً مختصة بهذا الشأن بالإضافة إلى نيابات متخصصة في هذا النوع من الجرائم.
لمزيد من المعلومات،يرجى الاتصال محمد أبوعقل