البحرين
نور الريسشريك،رئيس قسم التقاضي - البحرين
حاتم القطانمستشار قانوني أول, حل المنازعات والتقاضي
يحتل ركن الضرر مركزًا هامًا بين أركان المسئولية المدنية عموماً عقدية كانت أو تقصيرية، فهو إذ يعد قوام قيام المسئولية المدنية؛ التي تتمثل في أن كل خطأ سبب ضرر للغير يلتزم من ارتكبه بالتعويض؛ وعليه فإن الضرر هو الركن الجوهري لقيام المسئولية المدنية، ومن خلال نوع الضرر نستطيع تحديد نوع المسئولية فإن كان الضرر كان عبارة عن الإخلال بالتزام عقدي كانت المسئولية عقدية، وإن كان الضرر ناجمًا عن الإخلال بالتزام فرضه القانون كانت المسئولية تقصيرية.
ولما كانت العقود تتميز بأنها أحد أهم مصادر الالتزام في المعاملات المدنية والتجارية، ذلك أن العقد هو اتفاق يتم بإيجاب وقبول بين طرفين أو أكثر بقصد إحداث أثر قانوني، وعليه فإن العقود تتمتع بقوة إلزامية بين عاقديها وصفها التشريع البحريني بأنها شريعة المتعاقدين،
وانطلاقاً من ذلك فإن إخلال أحد طرفي العقد بالتزام تعاقدي من شأنه أن يعد خطأ تعاقدي يتيح للطرف الأخر أن يلجأ إلى القضاء إما لحمل الطرف المخل على تنفيذ التزامه جبراً بعد إعذاره وهو ما يعرف بالتنفيذ العيني للالتزام مع التعويض إن كان له مقتض، أو المطالبة بالتعويض في حال استحالة التنفيذ العيني. ولكي تقوم المسئولية العقدية، فإنه يجب أن تتوافر مجموعة من الشروط على النحو التالي:
وجود عقد صحيح وقائم بين أطرافه؛
الاخلال بالتزام عقدي؛
عنصر الضرر؛ و
علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
ونتناول في هذا المقال العنصر الأهم من عناصر المسئولية العقدية ألا وهو الضرر، باعتباره أحد الأركان الأساسية والشروط الجوهرية التي يلزم تحققها لقيام المسئولية العقدية، من حيث تعريفه، وأنواعه، والشروط اللازم توافرها فيه، مع تسليط الضوء على أهم السوابق القضائية الصادرة من محكمة التمييز البحرينية في هذا الصدد.
تقوم المسئولية العقدية على ثلاث أركان، هي الخطأ والذي يتمثل في الاخلال بالتزام تعاقدي، والضرر الذي يصيب الطرف الأخر في التعاقد، وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.
وقد عرف الفقه القانوني الضرر في نطاق المسئولية العقدية تحديداً بأنه: المساس بالمصالح أو الحقوق المشروعة نتيجة عدم تنفيذ أحد أطراف العقد لالتزاماته التعاقدية أو تأخره في تنفيذها أو تنفيذها لها بصورة معيبة.
ويعد الضرر أهم ركن من أركان المسئولية العقدية، وبدونه لا تقوم لها قائمة، إذ أنه إذا ارتكب أحد المتعاقدين خطأ، ولكن لم ينشأ عنه ضرر ففي هذه الحالة تنتفي المسئولية، كما في حالة انقطاع رابطة السببية، فعلي سبيل المثال إذا كان العقد المبرم بين الطرفين هو عقد نقل سيارات للمشاركة في سباق، وتأخر الناقل عن النقل، ولكن تبين أن السباق قد تم تأجيله لموعد لاحق أو تم الغاء السباق، فعندئذ لا يتحقق الضرر، إلا أنه في حال كان محل الالتزام مبلغ من النقود، فإن الضرر يكون مفترض لا يحتاج إلى إثبات كما في حالة التخلف عن سداد ثمن المبيع في الوقت المحدد، فإن الضرر في هذه الحالة يكون مفترضاً ولا يحتاج إلى إثبات.
ينقسم الضرر بوجه عام إلى نوعين، النوع الأول: الضرر المادي، والنوع الثاني الضرر الأدبي أو المعنوي، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أنه ولئن كان الدائن يعوض عن الضرر المادي والضرر الأدبي الناشئ عن الاخلال بالتزام تعاقدي، فإنه في حالة المسئولية العقدية لا يعوض إلا عن الضرر المباشر المتوقع فقط خلافًا للضرر في المسئولية التقصيرية، حيث يعوض الدائن عن كافة الأضرار المباشرة وغير والمباشرة، والضرر المباشر هو ما يكون نتيجة طبيعية لخطأ المسئول، إذا لم يكن بإمكانه توقيه بجهد معقول، والضرر المتوقع هو ذلك الضرر الذي يدخل في توقع الأطراف عند إبرام العقد.
ثبوت وقوع الضرر ركن أساسي لقيام المسئولية العقدية، بحيث إذا لم يثبت وقوعه انتفت مسئولية المدين ولو ثبت الخطأ بجانبه
وتكمن العلة في اقتصار التعويض في المسئولية العقدية عن الضرر المباشر المتوقع فقط هو أن إرادة المتعاقدين هي التي تحدد مدى التعويض، والغالب هو أن هذه الإرادة تقصر التعويض عن الضرر المباشر المتوقع فقط، ويعد ذلك بمثابة شرطًا ضمنيًا في العقد، والعبرة بتوقع الضرر هي بمعيار الشخص العادي في مثل الظروف الخارجية التي وجد فيها المدين وقت التعاقد.
واستثناءً من ذلك، فإن المدين يلتزم بتعويض الدائن عن كافة الأضرار المباشرة وغير المباشرة متى كان الضرر ناتجًا عن غش أو خطأ جسيم، وهو ما قضت به محكمة التمييز البحرينية في الطعن رقم 57 لسنة 2023 الصادر بتاريخ 18 يوليو 2023 بأن: " إذا لم يكن التعويض مقدراً في العقد أو بنص في القانون، فإن محكمة الموضوع هي التي تقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خساره وما فاته من كسب، شريطة أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن ان يتوقاه ببذل جهد معقول، ويقتصر التعويض – كجزاء للمسئولية العقدية – في غير حالتي الغش والخطأ الجسيم على الضرر المباشر المتوقع الحصول، وهو الضرر الذي يتوقعه وقت التعاقد الرجل المعتاد إذا وضع في مثل الظروف الظاهرة للمدين، ولا يكفي ان يكون متوقعاً في سببه وإنما يتعين أن يكون متوقعاً في مقداره ومداه".
كما قضت أيضًا في الطعن رقم 1796 لسنة 2019 الصادر بتاريخ 20 أبريل 2020 بأن: " التعويض -على ما جاء بالقانون المدني البحريني – يحكمه مبدأ التعويض الكامل (full compensation)، أي أن التعويض الذي تقضي به المحكمة ينبغي أن يجبر كل ضرر مباشر محقق أصاب الدائن، ماديًّا كان أم أدبيًّا، ويشمل الضرر المادي ما لحق الدائن من خسارة (damnum emergens) وما فاته من كسب (lucrum cessans)، وغاية ذلك المبدأ إعادة الدائن إلى المركز الذي كان سيتمتع به لولا وقوع الخطأ، إلا أن نطاق التعويض في مجال المسئولية التقصيرية (tortious liability) أكثر اتساعًا من نظيره في المسئولية العقدية (contractual liability)، إذ يمتد الأول ليشمل التعويض عن الضرر المتوقع (foreseeable harm)، والضرر غير المتوقع (unforeseeable harm)، بينما يقتصر نطاق التعويض في المسئولية العقدية على عناصر الضرر التي كان من الممكن توقعها وقت إبرام العقد، طالما لم يرتكب المدين غشًّا أو خطأ جسيمًا".
يعرف الضرر المادي في المسئولية العقدية بأنه الإخلال بالالتزامات الناشئة عن العلاقة التعاقدية التي ربطت طرفي العلاقة بعضهم البعض وإن تأسيس الضرر المادي في المسئولية العقدية يتعلق فيما أصاب المضرور وما لحقه من خسارة وما فاته من كسب وبشرط أن يكون ها الضرر نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو التأخر في الوفاء به، ويعتبر الضرر فهذه هي القاعدة الاساسية التي يتم على اساسها تقدير الضرر المادي في المسئولية العقدية.
عرف المشرع البحريني الضرر الأدبي بأنه كل ما يلحق الشخص من أذى جسماني أو نفسي نتيجة المساس بحياته، أو بجسمه، أو بحريته، أو بـعرضه، أو بشرفه، أو بسمعته، أو بمركزه الاجتماعي، أو الأدبي، أو باعتباره المالي، كما يشمل الضرر الأدبي كذلك ما يستشعره الشخص من الحزن والأسى، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، هو ما يصيب لمؤلف في سمعته نتيجة قيام الناشر بإدخال بعض التغييرات على أحداث ووقائع روايته التي ينشرها مخالفاً بذلك بنود واشتراطات عقد النشر، أو الأذى الذي يصيب سمعة فنان مشهور بسبب عدم وضع أسمه بشكل يتناسب مع شهرته على إعلانات العمل السينمائي الذي يشارك فيه وبصورة تخالف الاتفاق الوارد بالعقد.
وتجدر الإشارة إلى أن الخطأ التعاقدي قد ينشأ عنه نوعي الضرر – المادي والأدبي – معًا، حيث يختلط هذين النوعين محققين الضرر التعاقدي، فعلى سبيل المثال قيام الناشر بالتغيير في أحداث ووقائع الرواية التي ينشرها مما يصيب المؤلف بأضرار مادية تتمثل في انخفاض نسبة الاقبال على شراء الرواية ومن ثم عدم تحقيق أرباح، كما يصيبه بأضرار أدبية في سمعته كمؤلف لما قد يصيب روايته من تغيير لأحداثها وعدم تسلسلها بشكل يفقدها مصداقيتها لدى القراء وبالتالي فقدان ثقة الجمهور بما يؤثر على سمعته كمؤلف ويلحق به أسى وحزن جراء ذلك.
لكي يكون الضرر – بغض النظر عن نوعه – موجبًا للتعويض ومحققًا للمسئولية العقدية، يلزم أن تتوافر به مجموعة من الشروط، تتمثل في:
أن يكون مباشرًا؛ وهو أن يكون نتيجة حتمية مباشرة لما وقع من إخلال بالتزام عقدي، بمعنى أن يكون الضرر ناتج بشكل رئيسي واساسي عن الإخلال باي من الالتزامات التعاقدية، وعليه فإن أي ضرر لا ينتج بشكل مباشر عن الاخلال بالتزام تعاقدي، لا يرتب المسئولية، ولا يوجب التعويض في نطاق المسئولية العقدية.
أن يكون محقق الوقوع؛ يلزم في الضرر حتى تقوم بشأنه المسئولية العقدية أن يكون الضرر محقق الوقوع، والمقصود بذلك أن يكون الضرر قد وقع بالفعل، أما الضرر الاحتمالي لا تقوم به المسئولية العقدية، ولا يوجب التعويض عنه.
الاخلال بحق مكتسب أو مصلحة مشروعة؛ ويمثل هذا الشرط جوهر فكرة الضرر، إذ أن الضرر لا يشكل أي أهمية ولا يوجب التعويض إلا إذا حدث الاخلال بحق مكتسب أو حق يحميه القانون أو الاخلال بمصلحة مشروعة غير مخالفة للنظام العام.
استقر قضاء محكمة التمييز البحرينية على أن ثبوت وقوع الضرر ركن أساسي لقيام المسئولية العقدية، بحيث إذا لم يثبت وقوعه انتفت مسئولية المدين ولو ثبت الخطأ بجانبه، وأن عبء إثبات الضرر يقع على عاتق المضرور، إلا أن تقدير ثبوته أو عدم ثبوته من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع بشرط أن استخلاصها سائغًا وله معينه من الأوراق، كما أنه في سابقتين حديثتين حصلنا عليهما في حكمين صدر أحدهما في تاريخ 4 مارس 2024، والأخر في تاريخ 22 أبريل 2024 حيث حكمت محكمة التمييز البحرينية بنقض الحكم فيما قضى به من تعويض عن الضرر لعدم بيان عناصر الضرر واخفاق الدائن في إثباته، حيث قضت بأن: " التعويض عن المسئولية العقدية يشمل ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام، ويجب لاعتبار الضرر متوقعًا أم يتوقعه الشخص العادي في مثل الظروف الخارجية التي وجد المدين فيها وقت التعاقد، ولا يكفي توقع سبب الضرر فحسب، بل يجب أيضاً توقع مقداره ومداه، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى للمطعون ضده بمبلغ الاستثمار كاملاً والمتبقي من عائد الاستثمار، ولئن كان في أسبابه قد أورد إخلال الطاعنان بالتزامهما العقدي، إلا أنه لم يبين في تلك السباب عناصر الضرر المتوقع، مما يعيبه ويوجب نقضه في هذا الخصوص".
لمزيد من المعلومات،يرجى الاتصال حاتم القطان
تم النشر في أيلول 2024