عُمان
عبد الحليم عامر محمد أحمدمستشار قانوني أول،تسوية المنازعات
يُركّز هذا المقال على الاتجاه الذي لوحظ مؤخراً فيما يتعلق ببعض الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية بشأن طلبات الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية الصادرة في بلد عضو في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1958 بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها (”اتفاقية نيويورك لعام 1958“).
تاريخيًا، كانت الممارسة المستقرة هي أن قرارات التحكيم الأجنبية عادةً ما يتم الاعتراف بها وتنفيذها من خلال الإطار القانوني المنصوص عليه لتنفيذ الأحكام الأجنبية وفقًا لقانون الإجراءات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 29/2002 ("قانون الإجراءات المدنية والتجارية").
لُوحظ في الآونة الأخيرة تحوّل عن الممارسة التاريخية المستقرة والراسخة في الأحكام التي صدرت عن إحدى المحاكم الابتدائية في سلطنة عمان برفض طلبات الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها، معللة ذلك بعدم اختصاصها موضوعياً بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، حيث اعتبرت المحكمة أن الآلية الصحيحة لتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية هي الإطار القانوني المنصوص عليه لإنفاذ قرارات التحكيم الصادرة في قضايا التحكيم المحلية والدولية التي تخضع لقانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 47/1997 وتعديلاته (”قانون التحكيم“). هذا التحول في الاتجاه يضع المتقاضين والمحامين –على حدٍ سواء– في مأزق فيما يتعلق بالإطار القانوني الذي يجب تطبيقه للاعتراف بحكم التحكيم الأجنبي وتنفيذه، خاصة وأن المحكمة العليا باعتبارها أعلى محكمة في السلطنة لم تبت –حتى تاريخ نشر هذا المقال– في قانونية وصحة هذا التحول.
بعد مدة وجيزة من صدور قانون التحكيم العماني في 28 يونيو 1997م، أصبحت سلطنة عمان عضواً في اتفاقية نيويورك لعام 1958، حيث انضمت إلى تلك الاتفاقية بصدور المرسوم السلطاني رقم 36/1998 في 10 يونيو 1998م. وبعد أقل من أربع سنوات، صدر قانون الإجراءات المدنية والتجارية في 6 مارس 2002م.
يوفر قانون الإجراءات المدنية والتجارية، الذي صدر بعد قانون التحكيم وبعد انضمام السلطنة إلى اتفاقية نيويورك لعام 1998، إطار قانوني واضح ومحدد للاعتراف بأحكام التحكيم الصادرة في بلد أجنبي وتنفيذها، حيث تنص المادة (353) منه على أنه "يسري حكم المادة السابقة على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي، ويجب أن يكون حكم المحكمين صادرا في مسألة يجوز التحكيم فيها طبقا للقانون العماني، وقابلا للتنفيذ في البلد الذي صدر فيه".
تُحدد المادة (352) المشار إليها في المادة (353) أعلاه آلية تنفيذ الأحكام الصادرة في بلد أجنبي وتسمح –بالأساس– بتنفيذ الحكم الأجنبي إذا كانت هناك معاملة بالمثل بين عُمان والبلد الذي صدر فيه الحكم، وتنص صراحةً على أنه "يطلب الأمر بالتنفيذ أمام المحكمة الابتدائية مشكلة من ثلاثة قضاة التي يراد التنفيذ في دائرتها بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى، ولا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق مما يأتي . . ."؛ فكما هو واضح، فإن أحكام المادة (352) تمنح اختصاص الفصل في طلب إصدار أمر بتنفيذ الأحكام الأجنبية للمحكمة الابتدائية المُشكلة من ثلاثة قضاة، ويُطلب تنفيذها وفقا للإجراءات المعتادة لرفع الدعوى –أي بتقديم صحيفة دعوى— وأن المادة (353) تنص بوضوح على أن أحكام المادة (352) من القانون نفسه تنطبق على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية. إعمالاً لهذه النصوص القانونية، لقد سبق للمحاكم العُمانية الاعتراف بعدد لا يستهان به من أحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها في عُمان وفقاً للإطار القانوني المنصوص عليه في قانون الإجراءات المدنية والتجارية.
تنص المادة (9) من قانون التحكيم على أن اختصاص الفصل في المسائل التي يحيلها قانون التحكيم العماني إلى القضاء العماني ينعقد للمحكمة ذات الاختصاص في شأن النزاع وفقاً لقانون السلطة القضائية، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً سواء جرى التحكيم في عمان أو في الخارج فإن الاختصاص ينعقد لمحكمة الاستئناف بمسقط.
يُطلب تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة بموجب قانون التحكيم وفقا للمادة (56) من ذات القانون التحكيم أمام رئيس المحكمة الابتدائية المختصة أو من يفوضه، وذلك من خلال طلب استصدار أمر بالتنفيذ بدلاً عن الدعوى التي ترفع أمام الدائرة الثلاثية بالمحكمة المُراد التنفيذ في دائرتها كما هو منصوص عليه في قانون الإجراءات المدنية والتجارية؛ ويجب أن يكون طلب استصدار الأمر بالتنفيذ مصحوبًا بما يلي (أ) أصل حكم التحكيم أو نسخة موقعة منه؛ (ب) نسخة من اتفاق التحكيم؛ (ج) ترجمة عربية معتمدة لحكم التحكيم إذا لم يكن صادراً بها؛ (د) نسخة من المحضر الذي يثبت إيداع حكم التحكيم لدى المحكمة المختصة.
عملاً بالمادة (58) من قانون التحكيم، لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن قد انقضى أجل رفع دعوى البطلان. بالإضافة إلى ذلك، لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم تحكيم بموجب هذا القانون إلا بعد التأكد من: (أ) عدم تعارض القرار مع حكم سبق صدوره من المحاكم العمانية في موضوع النزاع؛ (ب) عدم وجود ما يتعارض مع النظام العام في عُمان؛ (ج) أن يكون الحكم قد تم إعلانه لمن صدر ضده إعلان صحيح. ولا يُجيز قانون التحكيم التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ، إلّا أنه يُجيز التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ.
كما هو واضح، هناك إطاران قانونيان لتنفيذ أحكام التحكيم في عُمان، وهناك جهات قضائية مختلفة يُطلب أمامها تنفيذ أحكام التحكيم تلك؛ وتكشف الأحكام الأخيرة الصادرة عن دوائر المحاكم الابتدائية الثلاثية التي رفضت الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية بدعوى عدم اختصاصها بالفصل في طلبات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، علماً بأن تلك الأحكام لم تصدُر في إجراءات تحكيم كانت تخضع لقانون التحكيم. إن الآليتين المختلفتين والمتميزتين لتنفيذ أحكام التحكيم المنصوص عليها في قانون التحكيم وقانون الإجراءات المدنية والتجارية دفعتا المحاكم التي أصدرت الأحكام محل هذا المقال إلى الخروج عن الممارسة المستقرة تاريخياً لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية التي لم تكن خاضعة لقانون التحكيم العماني.
لا شك في أن آلية التنفيذ المنصوص عليها في قانون التحكيم تنطبق على التحكيم الذي جرى في عُمان وعلى التحكيم الدولي الذي اتفق أطرافه على إخضاعه لقانون التحكيم العماني، فقانون التحكيم العماني واضح في هذا الصدد، حيث نص في المادة الأولى منه على أن أحكامه تنطبق في حالتين – الحالة الأولى، إذا جرى التحكيم في عُمان؛ والحالة الثانية إذا كان التحكيم تحكيماً تجارياً دولياً يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون. ومع ذلك، يبدو أنه ليس هناك وضوح كافٍ فيما يتعلق بالإجراءات والآلية التي يجب اتباعها في تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في بلد أجنبي، بموجب قانون تحكيم أجنبي.
يكمن حل مشكلة عدم الوضوح تلك في نص المادة الأولى من قانون التحكيم العماني التي تقصر تطبيق أحكامه على التحكيم المحلي والتحكيم التجاري الدولي الذي اتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام قانون التحكيم العماني، وفي النص الصريح للمادة (353) مقروءة مع المادة (352) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية. ومع ذلك، ما لم تقُل المحكمة العليا كلمتها النهائية في هذه المسألة أو يتم إدخال تعديلات تشريعية على قانون الإجراءات المدنية والتجارية أو قانون التحكيم العماني لحل معضلة الآلية المزدوجة المحتملة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، فإنه تظل هناك حالة من عدم اليقين بشأن الإطار القانوني الواجب التطبيق لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة بموجب قوانين تحكيم أجنبية، وقد تصدر المحاكم أحكامًا متناقضة في هذا الصدد.
هناك إطاران وآليتان قانونيتان مختلفتان لتنفيذ أحكام التحكيم – واحدة في قانون الإجراءات المدنية والتجارية، والأخرى في قانون التحكيم؛ ومن الناحية التاريخية، تولت الدوائر الثلاثية بالمحاكم الابتدائية اختصاص الفصل في قضايا الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية الصادرة بموجب قوانين التحكيم الأجنبية وتنفيذها، عملاً بأحكام قانون الإجراءات المدنية والتجارية. وعلى الرغم من أن نطاق تطبيق قانون التحكيم العماني لا يمتد إلى التحكيم الدولي الذي لم يتفق أطرافه على إخضاعه لقانون التحكيم العماني، إلا أن وجود إطارين وآليتين للتنفيذ أدى إلى صدور أحكام مختلفة عمّا استقرت عليه الأحكام السابقة في ذات الموضوع.
ما لم يتم إجراء تعديل تشريعي على قانون التحكيم العُماني أو قانون الإجراءات المدنية والتجارية، سيظل هناك احتمال كبير لصدور أحكام متناقضة ومتضاربة من المحاكم الأدنى بشأن الاختصاص بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، وسيواجه تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية صعوبات وتأخيرات تتعارض مع الغرض المقصود من انضمام عُمان إلى اتفاقية نيويورك لعام 1958.
لمزيد من المعلومات،يرجى الاتصال عبد الحليم عامر محمد أحمد.
تم النشر في أيلول 2024
محمود محمد مبروكمستشار قانوني أول،حل المنازعات
لقد عالج المشرع العماني أحكام الاعتماد المستندي بالمواد من (377) إلى (387) من قانون التجارة الصادر بالرسوم السلطاني رقم (55/۱۹90)، وفي ضوء هذه النصوص سوف نتناول تعريف وأهمية الاعتماد المستندي والالتزامات والضمانات التي تترتب على عقد الاعتماد المستندي.
إن عقد فتح الاعتماد بطريق المستندات هو العقد الذي يلتزم بمقتضاه البنك أن يضع مبلغاً من المال تحت تصرف شخص يحدده العميل المتعاقد، ويكون هذا الشخص المستفيد حائزاً للمستندات التي تمثل البضاعة والمستندات المثبتة لعلاقته مع العميل الآمر بالاعتماد والتي على البنك التحقق منها والحصول عليها لتنفيذ التزامه بالاعتماد،
ذوقد عرف قانون التجارة العماني الاعتماد المستندي بالمادة (377) بأنه (عقد يتعهد البنك بمقتضاه بفتح اعتماد بناءً على طلب أحد عملائه (الآمر بفتح الاعتماد) لصالح شخص آخر (المستفيد) بضمان مستندات تمثل بضاعة منقولة أو معدة للنقل).
في ضوء التعريف المتقدم يتضح أن الاعتماد المستندي يبدو أكثر فائدة في عمليات التجارة الخارجية التي يكون أطرافها -أي العميل (الآمر) والغير المتعامل معه (المستفيد)- يقيمان في بلدين مختلفين، ومن ثم فإن المجال العملي لاستخدام الاعتماد المستندي يتجلى في بيوع البضاعة المنقولة من بلدٍ إلى آخر، وعلى وجه الأخص البضائع المنقولة بطريق البحر تحت اصطلاح (CIF) وهي اختصار للكلمات (Freight Cost Insurance) وهذا النوع من البيوع يتفق فيه أطراف العقد على حصول التسليم في ميناء الشحن والتزام البائع بأداء المصاريف وأجرة الشحن ونفقات التأمين وإضافتها إلى ثمن البضاعة المتفق عليه.
يمثل الاعتماد المستندي أهمية عملية وقانونية لجميع الأطراف المعينة به، فهو يوفر الطمأنينة للبائع في عقود التجارة الدولية حيث يضمن عدم تسليم المشترى للبضاعة المرسلة إلا إذا تسلم البنك ثمنها المتفق عليه، كما يُطمئن المشتري من جانب آخر إلى أن البضاعة المرسلة تحمل الأوصاف التي حددها عقد البيع قبل أن يقوم بالوفاء بالثمن المتفق عليه، وذلك من خلال المستندات التي يحددها ويلتزم البنك فاتح الاعتماد بفحصها والتحقق منها. وأخيراً يحقق الاعتماد المستندي للبنك عائداً يتمثل في العمولات التي يتقاضاها من عميله مقابل فتح الاعتماد بالإضافة إلى عائد المبالغ التي قد يقدمها لعميله على سبيل الائتمان لحين السداد.
ومؤدى ما تقدم أن الاعتماد المستندي يرتكز على فكرة أن المستندات تؤدي إلى نقل الحقوق كما لو تمت على البضاعة ذاتها.
الاعتماد المستندي القابل للنقض يعتبر محدود الفائدة من الناحية العملية لأنه لا يرتب التزاماً حقيقياً تجاه البنك؛ إذ يتوقف استمرار الاعتماد أو تعديل نطاقه دائماً على إرادة البنك.
لقد نصت الفقرة الأولى المادة (380) من قانون التجارة على أنه (يجوز أن يكون الاعتماد المستندي قابلاً للنقض أو باتاً)، ومفاد هذا النص أن للاعتماد المستندي صورتين رئيستين هما الاعتماد القابل للنقض والاعتماد غير القابل للنقض، وهذا النوع الأخير ينبثق عنه عدة أنواع فرعية.
الاعتماد المستندي القابل للنقض أو الإلغاءهذا النوع من الاعتمادات يكون للبنك فيه حق تعديله أو إلغائه وقتما يشاء دون أية مسئولية عليه في مواجهة المستفيد، أي أن البنك لا يلتزم بشيء في مواجهة المستفيد، وإنما ينحصر دوره في إخطاره للمستفيد بأنه وكيلاً عن عميله الآمر في دفع قيمة الكمبيالة، وأن هذه الكمبيالة يمكن سحبها عليه، ويظل للبنك الحرية تعديل الاعتماد أو إلغائه من تلقاء نفسه، وقد بين المشرع نطاق التزامات البنك في الاعتماد المستندي القابل للإلغاء فيما انتظمته المادة (381) من قانون التجارة والتي نصت على أنه (لا يترتب على الاعتماد المستندي القابل للنقض أي التزام على البنك قبل المستفيد ويجوز للبنك في كل وقت تعديله أو إلغاؤه من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب الآمر دون حاجة إلى إخطار المستفيد بشرط أن يقع التعديل أو الإلغاء بحسن نية وفي وقت مناسب).
ومؤدى ما تقدم أن الاعتماد المستندي القابل للنقض يعتبر محدود الفائدة من الناحية العملية لأنه لا يرتب التزاماً حقيقياً تجاه البنك؛ إذ يتوقف استمرار الاعتماد أو تعديل نطاقه دائماً على إرادة البنك، ومن ثم فإن عنصر الائتمان لا يتوافر في مثل هذا النوع من الاعتماد المستندي.
الاعتماد المستندي غير القابل للنقض أو الإلغاءإن الغالب الأعم لعقد الاعتماد المستندي يكون على شكل عقد غير قابل للنقض، بحيث يكون البنك ملتزماً في مواجهة عميله بتنفيذ هذا الالتزام دون أحقيته في الرجوع أو العدول عن هذا الالتزام، وهذه الصورة من صور الاعتماد المستندي هي التي تحقق الغاية من عقد فتح الاعتماد بالنسبة للمستفيد؛ إذ ينشئ هذا النوع من عقود الاعتماد المستندي التزاماً مباشراً وقطعياً لصالح المستفيد، يلتزم بموجبه البنك بدفع مبلغ الاعتماد الصادر لصالح المستفيد، وقد أكد المشرع على قطعية التزام البنك في مواجهة المستفيد في حالة الاعتماد غير القابل للنقض بموجب نص المادة (382) من قانون التجارة والتي نصت على أنه (يكون التزام البنك في حالة الاعتماد المستندي البات قطعياً ومباشراً قبل المستفيد وكل حامل حسن النية للصك المسحوب تنفيذاً للعقد الذي فتح الاعتماد بسببه).
كما أن المشرع منع البنك من تعديل أو إلغاء أو تأجيل الاعتماد المستندي غير القابل للنقض إلا بموافقة جميع ذوي الشأن المعنيين بعقد الاعتماد المستندي وذلك تطبيقاً للقاعدة القانونية (العقد شريعة المتعاقدين)؛ حيث نصت المادة (382) من قانون التجارة على أنه (ولا يجوز إلغاء الاعتماد المستندي البات أو تعديله إلا باتفاق جميع ذوي الشأن).
الاعتماد المستندي المؤيدتشهد العديد من عقود التجارة الدولية اشتراط المستفيد وجود بنك بدولته يتعهد بأن يسدد مبلغ الاعتماد لصالح المستفيد وذلك بناءً على طلب من البنك فاتح الاعتماد، ويسمى هذا النوع من العقود بالاعتماد المستندي المؤيد؛ إذ يصبح البنك الموجود ببلد المستفيد مؤيداً للاعتماد الأصلي (ويسمى البنك المؤيد) وفي هذه الحالة يعتبر ملتزماً بشكل مباشر وشخصي في مواجهة المستفيد في حدود خطاب الاعتماد، وبذلك يغدو البنك الموجود في بلد المستفيد بمجرد اعتماده للاعتماد المستندي الصادر عن البنك الأصلي فاتح الاعتماد مسؤولاً عن تنفيذ الاعتماد شأنه شأن البنك فاتح الاعتماد، وهذا النوع من الاعتمادات نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة (382) حيث نصت على أنه (ويجوز تأييد الاعتماد البات من بنك آخر يلتزم بدوره بصفة قطعية ومباشرة قبل المستفيد).
والإجابة على هذا التساؤل هي أن المشرع أعطى للبنك الحق في أن يمتنع عن تسليم الآمر (المشتري) المستندات، بل وله أيضاً أن يتسلم البضائع من الناقل بمقتضى تلك المستندات، ويحق للبنك فوق هذا وذاك أن يقوم ببيع البضاعة بعد الحصول على أمر من القاضي المختص واستيفاء حقه من ثمنها بالألوية على غيره، وذلك عملاً بنص المادة (387) من قانون التجارة والتي نصت على أنه (إذا لم يدفع الآمر بفتح الاعتماد إلى البنك قيمة مستندات الشحن المطابقة لشروط فتح الاعتماد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إخطاره بوصول تلك المستندات، فللبنك بيع البضاعة طبقاً للإجراءات التي تعينها المحكمة).
كما أن للبنك زيادة على الضمان المقرر قانوناً بنص المادة (387) أن يتفق في عقد فتح الاعتماد أن يتم رهن البضاعة لحسابه بأن تكون الأذون الممثلة لها محررة لصالحه ويستطيع بمقتضاها تَسلَّم البضاعة من المخازن أو الناقل دون عميله فاتح الاعتماد في حالة عدم تسديده قيمة الاعتماد. كما يحق للبنك أن يشترط علي عميله أن يوفر كفيلاً يضمن وفاء العميل بمستحقات البنك الناشئة عن فتح الاعتماد المستندي، وفي هذه الحالة يحق للبنك الرجوع على الكفيل بمستحقاته في حدود ما شملته الكفالة من مستحقات البنك، وبذلك يتضح أن البنوك حاملة المستندات تكتسب أيضاً ضماناً فعالاً وجدياً والذي يبرر الائتمان الممنوح للعميل.
لمزيد من المعلومات،يرجى الاتصال محمود محمد مبروك.
عبدالرحمن بن داود السابعيمحامٍي,حل النزاعات
محافظة الطبيب على السر الطبي الخاص بالمريض يعتبر من أهم الأخلاقيات التي تدعو إليها مهنة الطب، وهو التزام مهني وقانوني يقوم أساسه على تحقيق المصلحتين العامة والخاصة، حيث تتحقق الأولى بالحفاظ على الصحة العامة للمجتمع، وتتحقق الثانية بالحفاظ على خصوصية المريض؛ لذلك جرَّم القانون فعل إفشاء السر الطبي وفي ذات الوقت أباحَهُ في حالاتٍ مُعينة، وللوقوف على ماهية جريمة إفشاء السر الطبي وحالات الإباحة الخاصة بها؛ يلزمنا التطرق إلى تعريف وعقوبة الجريمة، ثم استعراض الحالات التي يجوز فيها إفشاء السر الطبي.
تعَرَّف جريمة إفشاء السر الطبي على أنها: (تعمُّد الطبيب أو من في حكمه إطلاع الغير بطريقة (الكتابة أو القول أو الإشارة أو النشر) على سر من أسرار المرضى توصَّل إليه أثناء أو بمناسبة
ممارسته العمل الطبي)، ويتضح من التعريف أن جريمة إفشاء السر الطبي تشترط صفة خاصة في الشخص الذي يقوم بفعل الإفشاء؛ بأن يكون مزاول لمهنة الطب أو الأعمال الملازمة لها كالتمريض والتدليك الطبي وغيرها، وأن يكون السر الذي تم إفشائه؛ وصل إلى علمهم عند أو بسبب ممارسة العمل الطبي.
اعتبر القانون العماني جريمة إفشاء السر من الجرائم العمدية من نوع الجنحة، وعاقب عليها بالسجن مدة لا تزيد عن سنة، حيث نصت المادة (331) من قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/2018م) على أنه: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة كل من علم بحكم مهنته أو حرفته أو عمله سرًا فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانونًا".
تنص المادة (13) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (22/1996م) بأنه: "لا يجوز للطبيب إفشاء الأسرار الخاصة التي تصل إلى علمه عن طريق مزاولته للمهنة ما لم يوافق صاحب السر على ذلك. ويجوز إفشاء السر لأحد أفراد عائلة المريض المقربين كالزوج، أو الزوجة، أو الأب أو الأم أو أحد الأولاد البالغين وذلك بسبب إما خطورة حالة المريض أو لأسباب أخرى كافية، كما يحق للطبيب إفشاء السر بقصد منع حدوث جريمة أو للكشف عن جريمة أو إذا اشتبه في إصابة المريض بأحد الأمراض المعدية المحددة قانونا وذلك للجنة المختصة سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلبها. وإذا كان الطبيب مكلف من قبل إحدى شركات التأمين على الحياة بالكشف على عملاء الشركة فيكون له الحق في الكشف عن السر للشركة فقط).
ولقد تضمنت المادة المذكورة عدة حالات تجيز إفشاء السر الطبي نستعرضها كالآتي:
ونصت على هذه الحالة المادة (13) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان، وتستلزم هذه الحالة لتقوم صحيحة على أن يصدر الرضا بإرادةٍ المريض الحرة، وأن يصدر الرضا من صاحب السر نفسه أو وليَّه إذا كان قاصرًا، مع التنويه على أن الرضا يجب أن يصدر في وقت سابق أو معاصر للإفشاء؛ حيث لا يعتد بالرضا اللاحق على إفشاء السر.
وتجد هذه الحالة مبرراتها بموجب قانون الجزاء الذي يعتبر حالة الضرورة أحد موانع المسؤولية الجزائية، كما أن المادة (13) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان جوَّزَت إفشاء السر في هذه الحالة؛ وذلك عندما يكون الغرض منها إنقاذ حياة المريض كحالة التدخل الجراحي العاجل، أو عندما تكون بهدف ضمان عدم انتقال العدوى للأشخاص الآخرين، كحالة الخطيب الذي ينوي الزواج وهو مصاب بمرض مُعدٍ كمرض نقص المناعة.
فكما هو معلومٌ للكافَّة أن المصلحة الاجتماعية العامة أولى بالرعاية من مصلحة المريض الخاصة؛ لذلك يحق للطبيب إفشاء السر حين الاشتباه في إصابة المريض بأحد الأمراض المعدية المحددة قانونًا؛ على أن يكون هذا الإفشاء فقط للجهات الرسمية المختصة، ولقد أوردت المادة (1) من قانون مكافحة الأمراض المعدية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ( 73/1992م) جدولًا يحدد ما يعتبر من الأمراض المعدية، كما نصت المادة (3) من ذات القانون على أن الطبيب هو أحد المسؤولين عن التبليغ عن الأمراض المعدية المكتشفة من قبلهم نتيجة علاجهم المرضى، وعدم التزام الطبيب بالتبليغ في هذه الحالة يضعه تحت طائلة العقاب وذلك بموجب المادة (19) من القانون المذكور.
حثًا على مكافحة الجرائم في المجتمع ومُحاربةً للتستر عليها؛ ألزم القانون مزاولو المهن الطبية الذين يقومون بالكشف على المتوفين أو المصابين؛ بالتبليغ عن أي اشتباه جُرمي نتجت عنه الوفاة أو الإصابة وذلك ما نصت عليه المادة (227) من قانون الجزاء: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن (100) مائة ريال عماني ولا تزيد على (500) خمسمائة ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام في أثناء مزاولته إحدى المهن الطبية بالكشف على متوفى أو مصاب وجدت علامات أو توافرت ظروف تدعو إلى الاشتباه في سبب الوفاة أو الإصابة ولم يبادر إلى إبلاغ السلطات المختصة." ولقد أكدت المحكمة العليا العمانية في الطعن الجزائي رقم (670 /2013م) على مضمون ما تقدَّم؛ حينما ذكرت أنه: " قيَّد النص حق الطبيب في إفشاء أسرار مرضاه وأباح له ذلك في حالتي منع حدوث جريمة لم ترتكب بعد أو الكشف عن جريمة لم يصل علم إلى السلطات المعنية بحدوثها."
يعتبر الطبيب مُكلَّف قانونًا بإفشاء سر المريض فيما يتعلق بالتبليغ عن الولادات التي أجراها وبالوفيات التي كشف عليها، وذلك بموجب المادتين (16) و (26) من قانون الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (66/1996م)، وحددت المادة (14) من ذات القانون على وجوب التبليغ عن الولادات خلال مدة أسبوعين من تاريخ الميلاد.
هذا النوع من الأطباء أيضًا يحظر عليه إفشاء السر الطبي بوجهٍ عام، وبوجهٍ خاص أباح له القانون إفشاء سر المريض لشركة التأمين فقط، وذلك بموجب نص المادة (13) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان، وذلك تحقيقًا لشروط ومتطلبات التأمين الخاصة بالمريض المُؤمِّن لدى الشركة.
خلى التشريع العماني من أي نص صريح يمنع أو يُبيح للطبيب إفشاء السر حين أداء الشهادة أمام المحاكم، ومن وجهة نظر الكاتب أنه يجوز للطبيب إفشاء سر المريض عند أدائه الشهادة أمام القضاء؛ ذلك أن المادة (240) من قانون الجزاء والمادة (111) من قانون الإجراءات الجزائية؛ وقَّعَتا عقوبة على كل من يمتنع عن أداء الشهادة أمام القضاء، ولم تستثنِ المادتين المذكورتين الأطباء أو أي فئة أخرى من الناس، كما أن المنطق ومقتضيات حسن سير العدالة تفرض الإباحة للطبيب بإفشاء سره الطبي أمام القضاء سواءً كان ذلك عن طريق أداء الشهادة أم بواسطة التقارير الطبية التي تطلبها المحكمة.
لمزيد من المعلومات،يرجى الاتصال عبدالرحمن بن داود السابعي