توقع التغيير: كيف يهيئ مشروع تعليمات هيئة الأوراق المالية الأردنية سوق المال بالمملكة لعام 2025
دانة عبد الجليلشريك
زينهالهناندهمحامي متدرب
زين الحمودمحامي متدرب
الترجمة مقدمة من فنسنت بيرسيفال
تعد عمليات إقراض واقتراض الأوراق المالية من المكونات الأساسية للأسواق المالية، حيث تعزز السيولة والكفاءة وتمكّن من ممارسات مثل البيع على المكشوف. ومع التطور المتسارع للأسواق المالية، أصبح لزاماً على الأطر التنظيمية مواكبة هذا التطور لمعالجة المخاطر واستثمار الفرص المستجدة. وفي إطار هذا التوجه، قدمت هيئة الأوراق المالية الأردنية في عام 2024 مسودة معدلة لتعليمات إقراض واقتراض الأوراق المالية بهدف إلغاء واستبدال الإطار التنظيمي المعمول به منذ عام 2017 ("الإطار الحالي"). تجسد مسودة التعليمات هذه، التي لم تصدر بصورة رسمية حتى الآن، رؤية استشرافية مستندة إلى الصلاحيات المخولة للهيئة بموجب المادة 118(ب) من قانون الأوراق المالية رقم (18) لسنة 2017 للتعامل بكفاءة مع متغيرات السوق المستقبلية واستباق تحدياتها. ويمنح هذا الأساس القانوني الهيئة سلطة وضع منظومة تنظيمية متكاملة لمختلف الأنشطة، ومن بينها على وجه الخصوص، إقراض الأوراق المالية واقتراضها وعمليات البيع على المكشوف.
وحال إقرارها، تستهدف مسودة التعليمات مواءمة المنظومة التنظيمية الأردنية مع أفضل الممارسات العالمية، والحد من المخاطر النظامية، وترسيخ دعائم سوق أوراق مالية يتسم بدرجة أعلى من الموثوقية والشفافية مع اقتراب عام 2025. ونتناول فيما يلي أبرز التغييرات المقترحة في مسودة التعليمات وانعكاساتها، بما في ذلك الإجراءات المستحدثة للحد من التلاعب في السوق في حالات البيع على المكشوف.
نظرة مقارنةنطاق التطبيق والتعريفات
أرسى الإطار الحالي مصطلحات رئيسية مثل "هيئة الأوراق المالية" و"مركز إيداع الأوراق المالية" و"البيع على المكشوف" كأساس للتنظيم. وفيما تحتفظ مسودة التعليمات بهذه التعريفات الجوهرية، فإنها تركز على إيضاح الجوانب الإجرائية وأدوار المشاركين في السوق.
وتميز المسودة بوضوح بين وكيل الإقراض ووكيل الاقتراض، متجاوزة التعريف العام الحالي للوكيل، مما يضمن إطاراً تنظيمياً أكثر دقة وكفاءة.
الترخيص والتفويض
تحافظ مسودة التعليمات على اشتراطات الترخيص المقررة في الإطار الحالي لممارسة أنشطة إقراض واقتراض الأوراق المالية، مع تعزيزها بشروط وبضوابط رقابية أشد صرامة. وتهدف هذه التعديلات إلى تعزيز الامتثال وترسيخ مبدأ المساءلة في السوق.
الالتزامات التعاقدية
يتضمن الإطار الحالي متطلبات محددة للاتفاقيات التعاقدية في عمليات الإقراض والاقتراض، مشدداً على ضرورة توثيق الاتفاقيات وتحديد شروطها. وتوسعت مسودة التعليمات في هذه المتطلبات، مفصلة التزامات وضمانات إضافية في العقود المبرمة لتوفير حماية أشمل للمتعاملين في السوق.
الضمانات والكفالات
يشترط الإطار الحالي إيداع المقترض ضماناً لا يقل عن 35% من القيمة السوقية للأوراق المالية المقترضة عند إتمام المعاملة، على أن يظل الضمان عند مستوى 120% من قيمتها السوقية طوال فترة الاقتراض. وقد عدلت مسودة التعليمات هذه المتطلبات بنقل المسؤولية إلى وكيل المقرض للاحتفاظ بضمان في حساب مخصص يعادل 100% من القيمة السوقية للأوراق المقترضة طوال مدة المعاملة.
تدابير مكافحة التلاعب في البيع على المكشوف وفق تعليمات 2024
تضع مسودة التعليمات آليات جديدة لمعالجة مخاطر البيع على المكشوف، مع تركيز خاص على مراقبة وتعديل الضمانات. ويضمن ذلك كفاية الضمانات لتغطية الأوراق المالية المقترضة، مما يقلل مخاطر التعثر ويعزز الثقة في السوق. وتشمل هذه التدابير:
خفض الحد الأدنى للضمان المطلوب إلى 100% من القيمة السوقية للأوراق المالية المقترضة، مما يكفل حماية المُقرِض ويحد من مخاطر التعثر.
إجراء تقييم دوري لقيمة الضمان وفقاً لأسعار السوق، مع إلزام المقترضين باستكمال قيمة الضمان في حال انخفاضه عن الحد المقرر.
تتضمن مسودة التعليمات إطاراً شاملاً لحالات إنهاء اتفاقيات الإقراض والاقتراض، وتشمل: أ) انقضاء مدة القرض ما لم يجدد؛ ب) الاتفاق المشترك بين الأطراف على إنهاء الترتيب؛ ج) تدخل هيئة الأوراق المالية لإنهاء الاتفاقيات متى رأت ذلك ضرورياً لصون نزاهة السوق.
قصرت هيئة الأوراق المالية، من خلال تشديد إجراءات الرقابة والامتثال، عمليات إقراض واقتراض الأوراق المالية على المؤسسات المرخصة التي تلتزم بمتطلبات الامتثال وتخضع لتدقيق الهيئة الدوري.
أحكام البيع على المكشوف
تضمنت مسودة التعليمات قواعد محددة لتنظيم البيع على المكشوف في السوق الأردني، مشترطة تنفيذ الأوامر بسعر يفوق آخر سعر تداول لمنع التلاعب الهبوطي بالأسعار. ويتعين على المشاركين الإفصاح عن مراكزهم في البيع على المكشوف، مما يعزز الشفافية ويتيح للهيئة رصد ومعالجة أي تلاعب محتمل.
خاتمة
تشكل هذه المراجعة مرحلة مفصلية في تطوير البنية التحتية للسوق المالي الأردني لمواكبة التحديات والفرص المستقبلية. ولا يُتوقع أن تكون هذه التطورات مفاجئة، إذ يمكن اعتبارها تحديثاً دورياً يستجيب لتقلبات السوق ويعكس مساعي هيئة الأوراق المالية لتحديث الأطر المحلية بما يتوافق مع تطور ممارسات السوق العالمية. وستقوم مسودة التعليمات، بعد إقرارها من مجلس مفوضي الهيئة، بتعديل متطلبات الضمان وآليات الإبلاغ الحالية، مما قد يسهم في تقليل المخاطر، وتعزيز ثقة المستثمرين، ودعم استقرار السوق مع مطلع عام 2025. في المقابل، قد تستلزم هذه التغييرات أعباءً إدارية إضافية على المؤسسات المالية للتكيف مع منظومة أكثر شمولاً من متطلبات الامتثال والإفصاح والرقابة. كما تسهم الأحكام الجديدة المتعلقة بالبيع على المكشوف والضوابط التنظيمية المشددة في الحد بشكل ملموس من احتمالات الممارسات غير الأخلاقية، مما يعزز نزاهة السوق وحماية المستثمرين وشفافية بيئة التداول. وتضع هذه الإصلاحات، مع التطلع نحو المستقبل، أسواق رأس المال الأردنية في موقع متقدم للتعامل مع المشهد المالي المتزايد في ترابطه وديناميكيته.