مستقبل تنفيذ العقود وحل النزاعات في المملكة العربية السعودية في عام 2025
عماد سلامةشريك، رئيس المكتب - الرياض
أحمد أمونيتمستشارأول
محمدالهجانمستشار أول
الترجمة مقدمة من فنسنت بيرسيفال
تمثل المملكة العربية السعودية القوة الاقتصادية الأبرز في منطقة الشرق الأوسط، وتشكل سوقاً استراتيجياً للشركات الأجنبية. وقد أسهمت رؤية المملكة 2030، من خلال مبادراتها الطموحة لتحديث الاقتصاد وتعزيز بيئة الأعمال، في استقطاب اهتمام متزايد من المستثمرين الدوليين. وقد أثمر هذا الاهتمام المتنامي عن تطور ملحوظ في حجم العلاقات التعاقدية بين الشركات الأجنبية ونظيراتها السعودية. بيد أن الشركات الأجنبية لا تزال تواجه تحديات جوهرية في مسألتي اختيار القانون الواجب التطبيق وصياغة الأحكام المتعلقة بتسوية المنازعات في هذه العقود.
يتناول هذا المقال المحددات الرئيسية التي ينبغي للشركات الأجنبية مراعاتها في هذا الإطار، كما يستشرف آفاق تطور منظومة إنفاذ العقود وآليات فض المنازعات في المملكة العربية السعودية.
الإصلاحات الحديثة في النظام السعودي والجهاز القضائيشكَّل إصدار نظام المعاملات المدنية الجديد في عام 2023 منعطفاً تاريخياً في مسيرة تقنين المنظومة العقدية السعودية، حيث تصدى بفاعلية للتحديات التي واجهت الكيانات الأجنبية العاملة في المملكة. ومع ارتكازه على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، فقد جاء هذا النظام متناغماً مع التشريعات المدنية المعمول بها في المنطقة، ولا سيما في جمهورية مصر العربية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد أفردنا مقالاً مستقلاً يستعرض بعمق وشمولية آثار نظام المعاملات المدنية السعودي على مستقبل المعاملات القانونية وتوقعات عام 2025. “The Impact of the KSA Civil Transactions Law on Future Legal Transactions – What to expect in 2025”.
اعتبارات القانون الواجب التطبيق بالنسبة للعقود المزمع تنفيذها في المملكة العربية السعودية، يُستحسن أن تختار الشركات الأجنبية النظام السعودي كقانون حاكم، نظراً لأن الأحكام المستندة إلى قوانين أجنبية قد تواجه عقبات في التنفيذ، حيث تتولى محكمة التنفيذ السعودية فحص الحكم، قضائياً كان أم تحكيمياً، للتحقق من اتساقه مع النظام العام وأحكام الشريعة الإسلامية. وفي حال وجود أي مخالفة، يصبح الجزء المخالف غير قابل للتنفيذ. لذا، فإن اختيار النظام السعودي يُقلل من مخاطر عدم التوافق مع الأنظمة المحلية، كما أن الأطراف السعودية غالباً ما تُفضل العقود الخاضعة للنظام السعودي نظراً لألفتهم به من الناحيتين الثقافية والقانونية.
قد ساهم تقنين قانون العقود من خلال نظام المعاملات المدنية، وإنشاء المحاكم التجارية، وتطبيق التقاضي الإلكتروني والجلسات عن بُعد في خلق بيئة قانونية أكثر استقراراً وكفاءة وفعالية من حيث التكلفة.
اختيار المحاكم السعودية أو المحاكم الأجنبية ينبغي على الشركات الأجنبية النظر في اختيار المحاكم السعودية كمنبر لتسوية المنازعات مع نظرائهم السعوديين، وذلك للأسباب التالية:
ضمان التنفيذ: تتمتع الأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم السعودية بقابلية التنفيذ المباشر.
الكفاءة: ساهم تطبيق نظام التقاضي الإلكتروني والجلسات عن بُعد في تسريع إجراءات التقاضي، حيث يتراوح متوسط مدة الحصول على حكم نهائي بين ستة أشهر وسنة واحدة.
فعالية التكلفة: تتميز إجراءات التقاضي أمام المحاكم السعودية بانخفاض تكلفتها مقارنة بالولايات القضائية الأجنبية.
أما فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام الأجنبية في المملكة العربية السعودية، فيُعد مبدأ المعاملة بالمثل المعيار الأساسي. ويقع عبء إثبات وجود المعاملة بالمثل على عاتق طالب التنفيذ، ويتم ذلك عادةً من خلال الاستناد إلى اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف لتنفيذ الأحكام و/أو قرارات التحكيم بين المملكة العربية السعودية والدولة الأجنبية المعنية.
التحكيم في المملكة العربية السعودية تُعامل الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم المقيمة في المملكة، مثل المركز السعودي للتحكيم التجاري، معاملة الأحكام القضائية السعودية من حيث التنفيذ. ومع ذلك، يحق للأطراف (وللمحاكم) إبطال أحكام التحكيم كلياً أو جزئياً إذا تعارضت مع النظام العام أو أحكام الشريعة الإسلامية. ويُعد هذا خياراً مناسباً للشركات الأجنبية الراغبة في تطبيق النظام السعودي للحد من مخاطر التنفيذ المرتبطة بتطبيق القانون الأجنبي، مع الاستفادة من المرونة التي يوفرها نظام التحكيم.
التحكيم خارج المملكة وقواعد التحكيم الأجنبية يمكن للشركات الأجنبية أيضاً اختيار قواعد مؤسسات تحكيم أجنبية، مثل قواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية. وبينما يمكن للأطراف الاتفاق على تطبيق قواعد مؤسسية أجنبية، فإنه يمكنهم أيضاً الاتفاق على إجراء التحكيم خارج المملكة العربية السعودية. غير أنه من المهم الإشارة إلى أن أحكام التحكيم الصادرة عن هيئات أجنبية لا تتمتع بالتنفيذ التلقائي كما هو الحال بالنسبة للأحكام الصادرة عن هيئات تحكيم مقرها المملكة. ونظراً لكون المملكة العربية السعودية "دولة متعاقدة" في اتفاقية نيويورك للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، فإن إثبات المعاملة بالمثل فيما يخص تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية يُعد أيسر مقارنة بتنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية.
آليات تسوية المنازعات متعددة المراحلفي إطار تطوير المنظومة القضائية السعودية، أنشأت وزارة العدل المحاكم التجارية في عام 2020، والتي تتمتع باختصاص حصري في نظر المنازعات التجارية. ويُلزم نظام المحاكم التجارية الأطراف بمحاولة التسوية الودية قبل اللجوء إلى التقاضي. ويمكن أن تتخذ هذه المحاولة شكل أي وسيلة بديلة لتسوية المنازعات كالوساطة أو التوفيق أو التحكيم. وتولي المحاكم التجارية اهتماماً متزايداً بالأدلة الموثقة التي تُثبت محاولة الطرف المُدعي للتسوية الودية قبل رفع الدعوى. لذا، يُنصح الأطراف بالاتفاق مسبقاً على آلية التسوية الودية المناسبة لتجنب مخاطر رفض الدعوى.
خاتمة يبدو مستقبل إنفاذ العقود وتسوية المنازعات في المملكة العربية السعودية واعداً في ضوء الإصلاحات القانونية الأخيرة. فقد ساهم تقنين قانون العقود من خلال نظام المعاملات المدنية، وإنشاء المحاكم التجارية، وتطبيق التقاضي الإلكتروني والجلسات عن بُعد في خلق بيئة قانونية أكثر استقراراً وكفاءة وفعالية من حيث التكلفة. ومن المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى تعزيز ثقة الشركات الأجنبية في ممارسة الأعمال التجارية في المملكة العربية السعودية، مما يسهم في بناء علاقات تجارية أقوى وأكثر استدامة.
يتطلب اختيار القانون الواجب التطبيق وصياغة بنود تسوية المنازعات في العقود مع الأطراف السعودية دراسة متأنية لعدة عوامل. فاختيار النظام السعودي كقانون واجب التطبيق يوفر مزايا عديدة، منها التوافق مع الأنظمة المحلية، وضمان التنفيذ، والملاءمة الثقافية. وعند صياغة بنود تسوية المنازعات، ينبغي على الأطراف الموازنة بين خيارات المحاكم السعودية والأجنبية، والتحكيم مقابل القضاء، واختيار مقر التحكيم المناسب. كما أن وضوح البنود ودقتها، ومراعاة اللغة والتمثيل القانوني، وضمان قابلية التنفيذ تُعد عوامل أساسية لتحقيق تسوية فعالة للمنازعات والحفاظ على علاقات تجارية مستقرة.