الإصلاحات والتطورات القانونية الرئيسية في سلطنة عمان
بسمةالكيوميشريك، رئيس قسم تسوية المنازعات - عمان
عبد المطلب العجميمحامي متدرب
الترجمة مقدمة من فنسنت بيرسيفال
شهدت سلطنة عُمان خلال عام 2024 نقلة نوعية في منظومتها القانونية، تجسيداً للتوجهات الاستراتيجية لرؤية عُمان 2040. وقد طالت هذه التحديثات قطاعات حيوية عدة، تشمل التعليم والقطاع المصرفي والحوكمة والإعلام والمحاماة. وفيما تستهل السلطنة عام 2025، تترقب الأوساط القانونية حزمة من القوانين المستحدثة التي ستواصل تعزيز المنظومة القانونية، مع إيلاء عناية خاصة لقطاعات المعاملات الإلكترونية والصحة العامة والنظم المالية. يستعرض هذا المقال أبرز المستجدات والتطورات القانونية التي شهدها عام 2024، مع تقديم رؤية استشرافية للإصلاحات التشريعية المرتقبة في 2025.
قطاع التعليم والتدريب
شهد عام 2024 إصدار مرسومين سلطانيين أحدثا تغييرات جذرية في قطاع التعليم والتدريب. تضمن المرسوم الأول نقل اختصاصات التدريب المهني من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار إلى وزارة العمل، وذلك بهدف تيسير منظومة التدريب المهني وتحقيق التوافق الأمثل مع متطلبات سوق العمل. أما المرسوم الثاني، فقد منح جامعة السلطان قابوس استقلالية مالية وإدارية وأكاديمية، مما يعزز قدرتها على العمل باستقلالية وتطوير منظومة التعليم العالي.
من المتوقع أن تسهم هذه التشريعات المرتقبة في مواصلة تحديث وتطوير المنظومة القانونية في السلطنة، استكمالاً لمسيرة التطور القانوني التي شهدها عام 2024.
القطاع المصرفي
يُعد إصدار قانون حماية الودائع المصرفية علامة فارقة في تطور القطاع المصرفي. حيث أنشأ هذا القانون صندوقين: صندوقًا تأمينيًا للمؤسسات المرخصة التقليدية وآخر تكافليًا للمؤسسات المرخصة الإسلامية، وذلك بهدف حماية أموال المودعين، وتعزيز الثقة في القطاع المصرفي، والحد من المخاطر النظامية، ودعم الاستقرار المالي. كما يضمن القانون استرداد المودعين لأموالهم كلياً أو جزئياً في حالات إعسار البنوك أو تصفيتها، وذلك ضمن الحدود المنصوص عليها في القانون.
الحوكمة
أُصدرت سلسلة من المراسيم السلطانية لتعزيز منظومة الحوكمة في السلطنة. من أبرزها قانون السجلات الوطنية الذي أسس قاعدة بيانات شاملة تحت إدارة مركز السجلات الوطنية. تضم هذه القاعدة البيانات التي تنتجها أو تحوزها الجهات الحكومية والشركات المملوكة للدولة والمؤسسات الحاصلة على امتيازات أو تراخيص حكومية. ويُلزم القانون هذه الجهات بتزويد المركز بكافة البيانات ذات الصلة، بما فيها المعلومات المعالجة.
قانون البصمات الحيوية
تم إقرار قانون البصمات الحيوية لتنظيم استخدام البصمة الوراثية (فحص الحمض النووي). يحظر القانون استخدام البصمة الوراثية في إثبات النسب أو نفيه، ويقصر استخدامها على حالات محددة مثل الاشتباه في عدم تطابق الهوية في المستشفيات أو التعرف على الجثث والأشلاء المجهولة.
قطاع الشركات التجارية
مثّل إنشاء هيئة الخدمات المالية نقلة نوعية في قطاع الشركات التجارية. تتولى هذه الهيئة مسؤولية الإشراف والتنظيم والرقابة على القطاع المالي، بما يشمل أسواق رأس المال، وشركات التأمين، وسوق السلع والطاقة ومشتقاتها، ووكالات التصنيف الائتماني. كما تضطلع الهيئة بتنظيم مهنتي المحاسبة والمراجعة.
القطاع القانوني
أدخل قانون المحاماة والاستشارات القانونية إصلاحات جوهرية على مهنة المحاماة. تضمنت التغييرات الرئيسية حظر الجمع بين مزاولة المحاماة وأي وظيفة أخرى، ومنع المحامين من امتلاك شركات أو حصص فيها، باستثناء شركات المساهمة العامة. كما أجاز القانون للمحامين من الدول العربية والأجنبية الترافع أمام المحاكم العمانية في حالات معينة، شريطة التعاون مع محامٍ عماني، والالتزام بمبدأ المعاملة بالمثل، والحصول على إذن خاص. إضافة إلى ذلك، حظر القانون على الأفراد والشركات رفع دعوى تزيد قيمتها على 10,000 ريال عماني دون الاستعانة بمحامٍ، وأقرّ فترة انتظار مدتها عامين لمن سبق لهم العمل في الوظائف القضائية أو وظائف الادعاء العام قبل السماح لهم بممارسة مهنة المحاماة.
قطاع الإعلام
قدّم قانون الإعلام، الصادر في نوفمبر 2024، إطاراً تنظيمياً شاملاً للقطاع الإعلامي في السلطنة. يكفل القانون حرية الرأي والتعبير عبر وسائل الإعلام، ويضمن حق الأفراد في ممارسة الأنشطة الإعلامية مع حظر الرقابة المسبقة. كما يحدد القانون شروط ترخيص الأنشطة الإعلامية، ويوضح حقوق وواجبات الإعلاميين، وينظم حق الرد والتصحيح، إضافة إلى تنظيم الأنشطة المتعلقة بالمطبوعات.
التطلع إلى عام 2025
مع دخول عام 2025، يُتوقع مراجعة وإقرار مجموعة من القوانين الجديدة، تشمل قانون المعاملات الإلكترونية، وقانون الصحة العامة، والقانون المالي. كما يُنتظر صدور اللوائح التنفيذية للقوانين القائمة، وخاصة قانون المحاماة والاستشارات القانونية وقانون العمل. من المتوقع أن تسهم هذه التشريعات المرتقبة في مواصلة تحديث وتطوير المنظومة القانونية في السلطنة، استكمالاً لمسيرة التطور القانوني التي شهدها عام 2024.
خاتمة
شكّل عام 2024 مرحلة محورية في مسيرة الإصلاح القانوني في سلطنة عُمان، حيث شهد تغييرات جوهرية شملت مختلف القطاعات. ومع استشراف عام 2025، تعد حزمة القوانين الجديدة واللوائح التنفيذية المرتقبة باستكمال هذا المسار التطويري، بما يعزز مواءمة المنظومة القانونية في السلطنة مع تطلعات رؤية عُمان 2040.