صلاحية توقيع اتفاقيات التحكيم في الإمارات العربية المتحدة: التطورات الأخيرة وآفاق المستقبل – ما الذي يمكن توقعه في 2025
محمدالمرزوقيشريك، رئيس مشارك لقسم حل النزاعات
أحمد غنيمشريك
شيخة الزبيديمحامية متدربة
الترجمة مقدمة من فنسنت بيرسيفال
تُعدّ مسألة صلاحية توقيع اتفاقيات التحكيم في دولة الإمارات العربية المتحدة من القضايا المثيرة للجدل، وذلك بصفة خاصة في إطار الشركات المساهمة العامة. ويفرض النظام القانوني الإماراتي شروطاً محددة لصحة اتفاق التحكيم، مع التشديد على ضرورة وجود التفويض الصحيح والصريح. وقد ساهمت الأحكام القضائية الحديثة في توضيح هذه الشروط بشكل تفصيلي، مما يعكس تطور التوجهات القضائية في مجال اتفاقيات التحكيم. يهدف هذا المقال إلى استعراض أحدث التطورات والتوجهات المستقبلية المتعلقة بصلاحية توقيع اتفاقات التحكيم في دولة الإمارات.
الإطار القانوني والسياق التاريخي
يخضع تنظيم صحة اتفاقيات التحكيم في دولة الإمارات العربية المتحدة للقانون الاتحادي رقم 6 لسنة 2018 في شأن التحكيم، وكذلك لأحكام القانون المدني. وتنص المادة 7 من قانون التحكيم صراحةً على وجوب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً، في حين تشترط المادة 4 منه أن يُبرم الاتفاق إما من قِبَل شخص طبيعي يتمتع بأهلية التصرف في الحقوق، أو من قِبَل ممثل شخص اعتباري مفوَّض بذلك تفويضاً صحيحاً.
ومن المنظور التاريخي، فقد انتهجت المحاكم الإماراتية مسلكاً صارماً في تحديد السلطة المطلوبة لتوقيع اتفاقيات التحكيم، حيث استندت في ذلك بشكل رئيسي إلى مبدأ السلطة الفعلية، الذي يستوجب أن يكون للممثل تفويض صريح وملزم من الأصيل في اتفاق التحكيم. وقد ترتب على هذا النهج الحازم إبطال العديد من أحكام التحكيم لعدم توافر التفويض المناسب للموقِّع.
التطورات القضائية الأخيرةحكم محكمة النقض في أبوظبي
يُعد من أبرز القضايا التي تجسد النهج الحازم للمحاكم الإماراتية ذلك الحكم الحديث الصادر عن محكمة النقض في أبوظبي في الدعوى رقم 902 لسنة 2024، إذ قضت المحكمة ببطلان حكم التحكيم نظراً لإبرام اتفاق التحكيم من قِبَل الرئيس التنفيذي للشركة المدعية دون تفويض خاص من مجلس الإدارة. وقد أكدت المحكمة في حيثيات حكمها، استناداً إلى النظام الأساسي للشركة وقانون الشركات التجارية الإماراتي، أن رئيس مجلس الإدارة هو وحده المخوَّل قانوناً بإبرام اتفاقات التحكيم.
وقد ارتكز حكم المحكمة على مبدأ التفويض الصحيح، معتبرةً إياه شرطاً أساسيًا لصحة اتفاق التحكيم، مع التأكيد على أن اتفاق التحكيم الموقَّع من شخص غير مفوَّض يقع باطلاً بطلاناً لا ترد عليه الإجازة بالمشاركة اللاحقة في إجراءات التحكيم.
ومن المتوقع أن يترك هذا الحكم أثراً جوهرياً على المنازعات المستقبلية، حيث سيدفع الأطراف إلى اتخاذ تدابير احترازية أكثر صرامة عند إبرام اتفاقيات التحكيم، الأمر الذي من شأنه تعزيز معايير الحوكمة الداخلية في الشركات.
النهج المتطور لمحاكم دبي
في حين تواصل محكمة النقض في أبوظبي تبني نهجها الصارم، اتجهت محاكم دبي نحو تطبيق منهج يتسم بقدر أكبر من المرونة. فقد أظهرت محكمة تمييز دبي في أحكامها الحديثة ميلاً واضحاً نحو تطبيق مبدأ السلطة الظاهرة، وذلك تحديداً في الحالات التي تنسجم فيها تصرفات الموقِّع مع الممارسات التجارية المستقرة، مع توافر حسن النية لدى الطرف المتعاقد الآخر. ويتجلى هذا التحول القضائي بوضوح في تلك القضايا التي أيدت فيها المحكمة صحة اتفاقات التحكيم على الرغم من الدفوع المثارة بشأن صلاحية التوقيع، مما يؤدي إلى ترسيخ مبدأ حسن النية وتعزيز الثقة في المعاملات التجارية.
آفاق المستقبل
من المرتقب أن يشهد مستقبل اتفاقيات التحكيم في دولة الإمارات العربية المتحدة مزيداً من التطور والنضج، وذلك في إطار تحقيق التوازن بين الالتزام الصارم بالنصوص القانونية من جهة، والاجتهادات القضائية المتجددة التي تراعي المتطلبات العملية للمعاملات التجارية من جهة أخرى. ومن المتوقع أن يؤدي التباين الحالي بين النهج القضائي لمحاكم أبوظبي ودبي إلى صدور المزيد من التوضيحات القضائية أو إجراء تعديلات تشريعية، وذلك بغية توحيد المعايير القانونية وتوطيد الممارسات القضائية على مستوى الدولة.
خاتمة
تظل مسألة صلاحية توقيع اتفاقيات التحكيم في دولة الإمارات العربية المتحدة قضية تتسم بالتعقيد والتطور المستمر. وقد جاء الحكم الأخير لمحكمة النقض في أبوظبي ليؤكد مجدداً على ضرورة التفويض الصحيح والالتزام التام بالمتطلبات القانونية المقررة. ومع تنامي مكانة الإمارات كمركز دولي مرموق للتحكيم، فمن المتوقع أن يشهد الإطار القانوني تطوراً ملحوظاً يحقق التوازن المنشود بين الامتثال الدقيق للنصوص القانونية من ناحية، ومقتضيات المعاملات التجارية العملية من ناحية أخرى. وعليه، يتعين على الشركات العاملة في الدولة اتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان تفويض ممثليها بالشكل القانوني السليم، تجنباً لما قد يترتب على ذلك من بطلان لاتفاقيات التحكيم المبرمة.