آفاق جديدة في المشهد التنظيمي المالي في الإمارات
جودي واوجالشريك الإداري
علي عوضشريك
سارة الصيرفيالمستشارة القانونية الأولى
كاماريا اليعقوبيمحامية المعرفة
الترجمة مقدمة من فنسنت بيرسيفال
يشهد القطاع المالي في دولة الإمارات العربية المتحدة تحولاً جوهرياً، مدفوعاً بتغييرات تنظيمية تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية والمرونة والاستقرار المالي. تتضمن هذه التغييرات لوائح إدارة المخاطر الائتمانية الجديدة التي تُحسِّن ممارسات المخاطر الائتمانية للمؤسسات المالية المرخصة، بالإضافة إلى تحديثات في لوائح هيئة الأوراق المالية والسلع التي تخفِّض حواجز الدخول وتبسط المتطلبات التشغيلية لكيانات الاستثمار. يستعرض هذا المقال تأثيرات هذه التطورات، مع تسليط الضوء على الفرص والتحديات المقبلة.
التحول في لوائح هيئة الأوراق المالية والسلع: نحو سوق استثماري أكثر مرونة وديناميكية
أعلنت هيئة الأوراق المالية والسلع ("الهيئة") في دولة الإمارات العربية المتحدة عن مجموعة من التعديلات التنظيمية التي ستعيد تشكيل المشهد الاستثماري. تتزامن هذه التغييرات مع تقديم إطار التسجيل البيني للصناديق بين دول مجلس التعاون الخليجي، مما يُسهم في خلق بيئة استثمارية أكثر ديناميكية وسهولة في الوصول.
يستهدف إطار التسجيل البيني، المزمع تطبيقه مع بداية عام 2025، إنشاء سوق موحد لصناديق الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي. سيتيح هذا الإطار تسويق وبيع الصناديق عبر الدول الأعضاء بحد أدنى من العوائق التنظيمية، مما يعزز تدفقات الاستثمار عبر الحدود ويوفر للمستثمرين خيارات استثمارية أوسع.
علاوة على ذلك، يُلغي نظام التسجيل البيني الجديد الحاجة لتعيين مقدمي خدمات، مثل أمناء الحفظ، في الدولة المستهدفة. يؤدي هذا التبسيط في المتطلبات التشغيلية إلى خفض التكاليف والأعباء الإدارية لكيانات الاستثمار. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى استمرار متطلب تعيين مروج، لضمان وجود تمثيل محلي يُسهل الدخول إلى السوق والمشاركة فيه.
من أبرز جوانب التحول التنظيمي للهيئة تخفيف الالتزامات التنظيمية لتشجيع الطرح في الإمارات. يترتب على هذا التغيير خضوع كيانات إدارة الصناديق لمتطلبات أقل من حيث رأس المال والترخيص المستمر. من المتوقع أن يؤدي هذا التخفيف إلى تسهيل دخول الكيانات المالية الصغيرة والناشئة، مما يعزز التنوع والابتكار في السوق. تهدف هذه المبادرات إلى تنشيط سوق الصناديق المحلية في الإمارات، الذي تأثر سابقاً بالقيود التنظيمية على ترويج الصناديق العامة الأجنبية. وفي المقابل، تقدم الهيئة دعماً قوياً لإنشاء هياكل الصناديق الرئيسية-المغذية في الإمارات للاستثمار في الصناديق العامة الأجنبية.
لوائح إدارة مخاطر الائتمان الجديدة لمصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي: نحو قطاع مصرفي أكثر مرونة واستقراراً
أصدر مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي حديثاً مجموعة شاملة من اللوائح والمعايير - لوائح إدارة مخاطر الائتمان الجديدة - بهدف تعزيز ممارسات إدارة مخاطر الائتمان في المؤسسات المالية المرخصة. تدخل هذه اللوائح حيز التنفيذ بعد شهر من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية (تم النشر في 31 أكتوبر 2024، مما يعني أنها سارية المفعول حالياً)، وتهدف إلى ضمان المتانة المالية واستقرار القطاع المصرفي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
الحوكمة والرقابة
تشدد اللوائح الجديدة على ضرورة تطبيق هياكل حوكمة متينة. حيث يُلزم مجلس إدارة كل مؤسسة مالية مرخصة بإجراء مراجعة دورية واعتماد استراتيجية إدارة مخاطر الائتمان وإطارها التنظيمي والسياسات الجوهرية. يشمل ذلك تحديد مستويات تحمل المخاطر، والموافقة على التسهيلات الائتمانية الرئيسية، وضمان تطبيق برامج شاملة لاختبارات التحمل.
إطار إدارة مخاطر الائتمان
يتعين على المؤسسات المالية المرخصة تطوير وتنفيذ إطار موثق وفعال لإدارة مخاطر الائتمان يشمل كافة مراحل دورة حياة المخاطر الائتمانية، بما في ذلك النشأة والاكتتاب، وعمليات الاعتماد والموافقة، والمتابعة والمراقبة، وإدارة المحفظة الائتمانية، والاسترداد والمخصصات. ويجب أن يتوافق هذا الإطار مع قابلية المؤسسة للمخاطر وملف المخاطر العام لها، مع تضمين منهجيات للكشف المبكر وقياس الخسائر الائتمانية المحتملة.
عملية الاكتتاب والموافقة الائتمانية
تفرض اللوائح تطبيق عملية اكتتاب ائتماني شاملة تدعمها سياسات وإجراءات وافية. يشمل ذلك حوكمة الموافقات الائتمانية، وتحديد السقوف الائتمانية، وإجراءات العناية الواجبة، ومتطلبات التوثيق. ويجب أن تتضمن عملية صنع القرار لجنة ائتمانية أو أفراداً مخولين بصلاحيات موافقة مناسبة.
التصنيف والمخصصات
يجب على المؤسسات المالية المرخصة تصنيف التسهيلات الائتمانية إلى ثلاث مراحل وفقاً للجدارة الائتمانية الحالية والمتوقعة. كما يتعين عليها تقدير وتوثيق المخصصات لكل تسهيل ائتماني، مع إجراء مراجعة وتحديث دوري. وتحدد اللوائح مستويات الحد الأدنى من المخصصات لمختلف مراحل التسهيلات الائتمانية، مما يضمن احتفاظ المؤسسات المالية المرخصة باحتياطيات كافية لتغطية الخسائر المحتملة.
تخفيف مخاطر الائتمان
تتيح اللوائح للمؤسسات المالية المرخصة استخدام أدوات تخفيف مخاطر الائتمان، مثل الضمانات العينية والكفالات، عند تحديد المخصصات. غير أنه يجب تقييم الضمانات بما يعكس صافي القيمة القابلة للتحقق، مع الأخذ في الاعتبار ظروف السوق السائدة والتكلفة المطلوبة لتحقيق هذه القيمة.
الأصول المتعثرة والشطب
يتعين على المؤسسات المالية المرخصة تطوير استراتيجيات فعالة لإدارة الأصول المتعثرة والحد من تراكمها. وتلزم اللوائح التنظيمية المؤسسات بإجراء عمليات الشطب في التوقيت المناسب للتعرضات التي لا يوجد توقع معقول لاستردادها، وذلك لضمان أن تعكس البيانات المالية الوضع المالي الحقيقي للمؤسسة.
التأثير على المؤسسات المالية
تستهدف اللوائح الجديدة الارتقاء بممارسات إدارة المخاطر في المؤسسات المالية المرخصة من خلال تأسيس أطر وإجراءات متينة. ويؤدي هذا إلى تحسين عمليات تحديد وقياس وتخفيف المخاطر الائتمانية، مما يعزز استقرار النظام المالي بشكل عام.
سيؤدي تعزيز إطار الحوكمة والرقابة إلى رفع مستوى المساءلة لدى مجلس الإدارة والإدارة العليا. ويتعين على المؤسسات المالية المرخصة ضمان توافق ممارسات إدارة المخاطر مع المتطلبات التنظيمية، مع إجراء مراجعات وتحديثات دورية.
إضافة إلى ذلك، قد تسعى المؤسسات المالية المرخصة للحصول على آراء متخصصة في تخفيف المخاطر الائتمانية لضمان توافق ترتيبات الحماية الائتمانية في وثائق المعاملات مع معايير تخفيف المخاطر الائتمانية المؤهلة المحددة في لوائح إدارة المخاطر الائتمانية الجديدة (على غرار التوجيه الأوروبي رقم 575/2013 الصادرة عن البرلمان الأوروبي ومجلس 26 يونيو 2013 بشأن المتطلبات الاحترازية لمؤسسات الائتمان وشركات الاستثمار وتعديلاتها والمطبق على العديد من المؤسسات المالية الدولية خارج دولة الإمارات).
قد يواجه تطبيق اللوائح الجديدة تحديات تشغيلية لبعض المؤسسات المالية المرخصة، وخاصة تلك التي تمتلك أنظمة أقل تطوراً في إدارة المخاطر. وسيتطلب الأمر استثمارات في الأنظمة والعمليات والتدريب لضمان الامتثال للمتطلبات الجديدة. كما يتعين على المؤسسات المالية المرخصة تقييم تأثير اللوائح الجديدة على إجراءات تحصيل الديون الداخلية وفي المحاكم الإماراتية.
خاتمة
يشكل التحول في لوائح هيئة الأوراق المالية والسلع وإصدار لوائح إدارة المخاطر الائتمانية الجديدة من المصرف المركزي آفاقاً جديدة للمؤسسات المالية في دولة الإمارات. فمن خلال تطوير سوق استثماري أكثر مرونة وتكاملاً، وقطاع مالي أكثر متانة واستقراراً، ستدفع هذه التطورات عجلة النمو والابتكار والتنافسية في القطاع المالي.
ستحقق المؤسسات المالية التي تتبنى نهجاً استراتيجياً في التعامل مع هذه المتغيرات منافع كبيرة، مما يعزز مكانتها للنجاح على المدى البعيد في السوق الإماراتي المتطور. ومع اقتراب موعد التنفيذ، يصبح من الضروري أن تواكب المؤسسات المالية هذه التطورات، وتتكيف مع المتطلبات التنظيمية الجديدة، وتستثمر الفرص المتاحة.
يشكل التحول في لوائح هيئة الأوراق المالية والسلع وإصدار لوائح إدارة المخاطر الائتمانية الجديدة من المصرف المركزي آفاقاً جديدة للمؤسسات المالية في دولة الإمارات.